اشتراطُ البائعِ على المشتري عدمَ بيعِ ما اشتراه
لو أني اشتريت تذاكر حلال من موقع ما ، وقمت بالتعليم على المربع الذي يشير إلى موافقتي على الشروط ، وأحد هذه الشروط أنه لا يصح لي إعادة بيعها مرة أخرى .
ثم قمت ببيعها وربحت من هذا ، وذلك لأن جميع الناس يقومون بهذا الأمر ، فهل هذا المال الناتج عن التخلص منها حرام ؟ هل يجوز لي بيعها لأني أعلم أنه قانوناً يمنع بيعها ؟
الجواب
الحمد لله.
هذا الشرط المذكور في هذه المعاملة ، وهو ألا يبيع المشتري الشيء الذي اشتراه ، هذا
الشرط محل خلاف بين أهل العلم ، والخلاف في هذه المسألة على وجه الاختصار كالآتي :
القول الأول :
بطلان البيع والشرط ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، ورواية في مذهب أحمد
.
بل حكاه الماوردي مذهب جميع الفقهاء . " المجموع " (9/464) .
القول الثاني :
بطلان الشرط دون البيع ، وهو المشهور من مذهب الحنابلة ، وقول للمالكية ، وقول
للشافعية.
القول الثالث :
صحة البيع والشرط جميعا ، وهو رواية في مذهب أحمد ، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية
، وابن القيم . انظر: " المبسوط " (13/13) ، و"البحر الرائق "(6/93) ، و "مواهب
الجليل "(4/373)، " التاج والإكليل " (6/242) ، و" الأم " (7/101) ، و " مغني
المحتاج " (2/47-48) ، " المجموع " (9/464) ، و " مجموع الفتاوى " (29/137) ، و
"إعلام الموقعين "(3/301) .
والأقرب في هذه المسألة التفصيل : فإن كان هذا الشرط يترتب عليه مصلحة فهو جائز ،
أما إذا كان يقصد به مجرد التضييق على المشتري فلا يجوز .
وقد اختار هذا التفصيل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، فقد قال في سياق الكلام
على هذا الشرط : " ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلاً : وهو إن كان شرط عدم البيع
لمصلحة تتعلق بالعاقد أو بالمعقود عليه فإن الصحيح صحة ذلك، مثال التي تتعلق
بالعاقد : أنا أعرف أن هذا الرجل محتاج إلى بيت وأريد أن أبيعه بيتي ، ولكن أعرف أن
الرجل لا يحسن التصرف يمكن أبيعه عليه في الصباح ويبيعه هو في آخر النهار، وأنا
إنما أريد أن أبيعه عليه من أجل أن ينتفع به ويسكنه ، فأقول له : لا أبيعك هذا
البيت إلا بشرط أن لا تبيعه ، فيلتزم بهذا ، فهذا من مصلحة العاقد (المشتري).
ومثال مصلحة المعقود عليه : عندي عبد له منزلة عالية فجاءني شخص أثق به وآمنه على
هذا العبد فقال: بعني عبدك ، فقلت: أبيعك بشرط أن لا تبيعه ؛ لأنني أخشى إذا باع
عبدي على إنسان غشيم يظلمه ويذله ، فقلت: نعم أبيعك عبدي بشرط أن لا تبيعه ،
فالمصلحة هنا تعود على العبد المعقود عليه .
والصحيح في الصورة الثانية أنها أيضا جائزة ؛ لأنه قد يكون شخص معروفاً بالشر
والفساد وعندي عبد ، فجاء شخص ثقة أمين ، فقلت : لا بأس أبيع عليك العبد لكن بشرط
أن لا تبيعه على فلان خاصة ، فهذا من مصلحة المعقود عليه . انتهى من" الشرح الممتع
:" (8/244) .
وبناء عليه ؛ فإن تلك الجهة التي وضعت هذا الشرط قد يكون لها مصلحة في وضعه ، ومن
ثم وضعته ، فلا يجوز مخالفته ، وعلى مَنْ دخل معهم والتزم بالشرط الوفاءُ به ،
وحينئذ لا يجوز له بيع ما اشتراه ، ولا التربح ببيعه ، لما قد يعود به على البائع
بالضرر ، والربح الذي أخذه من ذلك لا حق له فيه ، فيتصدق به ، ويبقي رأس ماله فقط .
والله أعلم .