الحمد لله.
والمناوي ـ رحمه الله ـ ، وعفا الله عنه ـ رغم تفننه في علم الحديث وغيره ـ كان مصرحاً بأشعريته ، سائرا فيها على مذهب المتأخرين من الأشاعرة ، كما كان مصرحا بانتسابه للصوفية مقرا لكثير من شطحاتهم وزلاتهم .
ومع ذلك تجد في كلامه من
تعظيم السنة والحث على اتباع الصحابة ، والتحذير من البدع شيئا كثيرا ، مما يجعلنا
نقول إن كثيرا من هؤلاء العلماء تأثروا بالبيئة التي نشؤوا فيها ، وغلب عليها
التصوف والأخذ بالمذهب الأشعري ، حيث كانوا يتلقون هذه العقائد في الكتاتيب منذ
نعومة أظفارهم ، وينشؤون على التحذير من منهج السلف ، بحجة أنه مذهب الحشوية
والمجسمة ، وقل من العلماء من تنبه لفساد تلك المقولة ، واستطاع كسر قيد التقليد
والتبعية لعلماء ذلك الزمن ، ومن هؤلاء جمع كثير من أهل العلم : كان يعتقد أن ما هو
عليه : هو مذهب السلف والقرون المفضلة .
وبعضهم : لم يتخلص من الشبه التي حالت دون اعتقاده لمذهب السلف ، على نحو ما بينه
غير واحد من المحققين .
ينظر : " منهج الحافظ المناوي في كتابه فيض القدير" ( ص 43) وما بعدها .
وأما كتابه فيض القدير فهو
كتاب كبير فيه فوائد كثيرة ومن أبرز ميزاته :
1- كونُه شرحا مهما ، لكتابٍ موسُوعيٍّ ، بلغتْ عددُ أحاديثه أكثرَ من عشرة آلاف
حديث .
2- نقلُه منْ مصادرَ لم تطبع بعدُ ، أو هي في عِداد المفقود ، كشرح العراقيِّ على
الترمذي، وشرح تلميذِه الحافظ ابن حجر عليه أيضاً ، وتفسير ابن مردويه ، وتاريخ
نيسابور للحاكم، وغيرِها الكثير.
3- تأخُّرُ زمَنِ المؤلِّف ، ممَّا أتاحَ له الاطِّلاع على كثيرٍ من الشروح
المُتقدِّمة ، مُورداً بذلك زياداتٍ على السيوطيِّ لا يخَفَى على أحد مَدَى
نفاستِها وتفرُّدِها.
4- التنبيهُ على اختلاف نُسخ (الجامع الصغير) من خلال رموز استخدمها.
5- العنايةُ بنقل كلام العُلماء في الحكم على الحديث من حيث الإجمال والتفصيل.
6- جودةُ النُّقول التي يختارُها وينقلُها.
7- تميُّزُ أسلوبِ الشارح ومنهجِه من حيث قوة العبارة ، وجَودة الأسلوب ، وحُسن
السبك.
ينظر: " منهج الحافظ المناوي في كتابه فيض القدير" ( ص 3).
لكن رغم ذلك ، فقد شان كتابه
بتقريراته الصريحة للمذهب الأشعري في تأويل الصفات وغيرها على طريقة مـتأخري
الأشاعرة ، بالإضافة لإيراده لبعض من شطحات الصوفية وهناتهم ، ومع ذلك فهو يخالفهم
في مسائل ، ويرد عليهم ، ويحتج بمخالفتهم لنصوص القرآن والسنة .
فمن كان على إلمام بعقيدة السلف ، ودربة في القراءة التوسعية في شروح العلماء : فلا
بأس عليه من اقتناء الكتاب ، والمطالعة فيه ، فهو نافع مفيد ، مع ترك الأصول
المخالفة للسنة ، وما يترتب عليها ، مما أشرنا إليه سابقا .
ثانيا :
وأما الموقف من مثل هؤلاء العلماء الذين لهم أخطاء ومخالفات لمنهج السلف ، فقد سئل
علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات ، مثل ابن حجر ، والنووي ، وابن
الجوزي ، وغيرهم ، هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا ؟ وهل نقول :
إنهم أخطأوا في تأويلاتهم ، أم كانوا ضالين في ذلك ؟
فأجابوا :
" موقفنا من أبي بكر الباقلاني ، والبيهقي ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأبي زكريا
النووي ، وابن حجر ، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى ، أو فوَّضوا في أصل
معناها : أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم ،
فرحمهم الله رحمة واسعة ، وجزاهم عنا خير الجزاء ، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا
فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى
الله عليه وسلم بالخير ، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف
الأمة وأئمة السنة رحمهم الله ، سواء تأولوا الصفات الذاتية ، وصفات الأفعال ، أم
بعض ذلك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/241) .، وستجد في السؤال رقم : (107645)
مزيدا من التوضيح .
والله أعلم .