ما نوع الخل الذي كان يأكله به النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه؟
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتدم بخل التفاح ، فقد وجدت حديثاً في النت ، إلا أني لم أستطع التأكد من صحته : ( لم يفتقر بيت فيه خل ) رواه الترمذي والبيهقي.
ووجدت أيضاً حديثاً آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن الخل كان إدام الأنبياء من قبله . وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخل .
وقد روى جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به ، فجعل يأكل به ويقول : نعم الإدام الخل ، نعم الإدام الخل )
فأريد معرفة نوع الخل الذي كان يأكله النبي صلى الله عليه وسلم . فقد وجدت أن خل التفاح هو أفضل الخل للصحة . والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الخل ، ووصفه له بأنه إدام ، وأثنى عليه في
مجموعة من الأحاديث الصحيحة ، فمن ذلك :
قال صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ ) رواه مسلم ( 2051 ) .
وروى مسلم أيضا (2052) بسنده عن طَلْحَة بْن نَافِعٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللهِ ، يَقُولُ : أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ
، فَقَالَ : مَا مِنْ أُدُمٍ ؟ فَقَالُوا : لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ . قَالَ :
فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدُمُ . قَالَ جَابِرٌ : فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ
الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقَالَ طَلْحَةُ : مَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ )
.
وعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ :
( دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ؟ فَقُلْتُ : لَا ، إِلَّا كِسَرٌ يَابِسَةٌ وَخَلٌّ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَرِّبِيهِ ، فَمَا
أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ ) .
رواه الترمذي في " السنن " (1841) وقال : " هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه...وسألت
محمدا – يعني الإمام البخاري - عن هذا الحديث قال : لا أعرف للشعبي سماعا من أم
هانئ ". وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي " سلسلة الأحاديث الصحيحة "
(رقم/2220) .
أما حديث أُم سَعْدٍ ، قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ ، وَأَنَا عِنْدَهَا ، فَقَالَ : هَلْ مِنْ غَدَاءٍ ؟
قَالَتْ : عِنْدَنَا خُبْزٌ ، وَتَمْرٌ ، وَخَلٌّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي
الْخَلِّ ، فَإِنَّهُ كَانَ إِدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي ، وَلَمْ يَفْتَقِرْ
بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ )
فقد رواه ابن ماجه في " السنن " (3318)، ولكنه حديث موضوع ، فيه عنبسة بن عبد
الرحمن متهم بالوضع، ومحمد بن زاذان متروك .
قال الخطابي رحمه الله :
" معنى هذا الكلام الاقتصاد في المأكل ، ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة ، كأنه يقول :
ائتدموا بالخل وما كان في معناه مما تخف مؤنته ، ولا يعز وجوده ، ولا تتأنقوا في
المطعم ، فإن تناول الشهوات مفسدة للدين ، مسقمة للبدن " انتهى من " معالم السنن "
(4/ 254).
وانظر الفتاوى رقم : (113941) ، (191176)
، (106196)
ثانيا :
وقد بحثنا في كتب الحديث والروايات ، فلم نقف على حديث يبين لنا نوع الخل الذي أكله
النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن غالب الظن أن الخل المشتهر في ذلك الزمن هو خل
العنب أو التمر ، وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول :
أن العنب هو الثمر الأشهر في ذلك العهد ، بل كان يعد هو القوت من الثمار لكثرته
وكثرة استعماله شرابا وزبيبا وخلا وفاكهة وغيرها من أنواع الاستعمال .
الدليل الثاني :
أن التفاح لم يكن متواجدا بكثرة ، ولم يكن في الغالب يزرع في المدينة النبوية وما
حولها ، وإنما كان يستورد من الشام ، فيبعد أن يصنع منه الخل في ذلك الزمن .
الدليل الثالث :
ما ذكره العلماء السابقون في طريقة صنع الخل ، وفي تعريفه في اللغة وعند العرب ، بل
وما ذكره الفقهاء أيضا في كتبهم ، كله يدل على شهرة " خل العنب " و " التمر ":
فهذا العلامة ابن عبد البر رحمه الله يقول :
" روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يصطبغ في خل خمر . وهذا يحتمل أن يكون أراد خل
عنب " انتهى من " التمهيد " (1/ 262) .
وابن قتيبة الدينوري رحمه الله (ت276هـ) يقول :
" إذا أردت صنعة الخل : أخذت من العنب ما بدا لك ... إلخ" ثم ذكر طريقة صنع الخل من
العنب . كتاب " الجراثيم " المنسوب إلى ابن قتيبة (2/ 114) .
وقال الأزهري إمام اللغة :
" قَالَ اللَّيْث : الاختلال من الْخلّ من عصير الْعِنَب وَالتَّمْر " انتهى من "
تهذيب اللغة " (6/301).
ويقول السرخسي رحمه الله :
" كما أن العنب مع التمر جنسان فكذلك الخل المتخذ منهما " انتهى من " المبسوط "
(12/180) .
وجاء في " المغرب في ترتيب المعرب " (ص: 153):
" الخل ما حمض من عصير العنب " انتهى.
وجاء في " القاموس المحيط " (ص994):
" الخل ما حمض من عصير العنب وغيره " انتهى.
ويقول ابن الحاج رحمه الله :
" الخل أصناف أطيبه وأنفعه خل العنب " انتهى من " المدخل " (4/ 94) .
الدليل الرابع :
أن كثيرا من الخل كان يصنع من تحويل الخمر واستحالتها ، والخمر أكثرها من العنب
والتمر .
والخلاصة : أن الروايات والأحاديث لم توضح أصل الخل الذي ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه أكله ، غير أن الظاهر أنه " خل العنب " أو " خل التمر ".
وعلى كل حال ؛ فجميع أنواع الخل فيها النفع والفائدة الطبية بإذن الله ، ولا بد من
الرجوع إلى المراجع الطبية المعاصرة ، والأبحاث الغذائية المتخصصة للوقوف على فوائد
الخل واستعمالاته ، وأما المقارنة بين أنواعها وجودتها فيرجع فيه إلى المختصين في
علوم الغذاء .
والله أعلم .