الحمد لله.
أولاً :
دلت السنة على مشروعية قول : لا إله إلا الله لمن نزل به الموت ، وأن هذا من علامات حسن الخاتمة .
فقد روى أبو داود (3116) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن أبي داود " .
ولأجل ذلك : شرع لمن كان عند المُحْتَضَر ، أن يلقنه الشهادتين ، ويذكره بهما ، لعله أن يختم له بهما .
روى مسلم (916) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) مَعْنَاهُ : مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، وَالْمُرَادُ ذَكِّرُوهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِتَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْأَمْرُ بِهَذَا التَّلْقِينِ أَمْرُ نَدْبٍ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ ، وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَ بِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَلِيقُ . قَالُوا : وَإِذَا قَالَهُ مَرَّةً لَا يُكَرِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ بِكَلَامٍ آخَرَ ، فَيُعَادُ التَّعْرِيضُ بِهِ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ ، وَيَتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ الْحُضُورَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ لِتَذْكِيرِهِ وَتَأْنِيسِهِ وَإِغْمَاضِ عَيْنَيْهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ." انتهى من "شرح مسلم" (6/518) .
وروى البخاري (1360) ، ومسلم (24) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب عند الموت : ( يَا عَمِّ قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ) .
ثانياً :
رفع السبابة والإشارة بها ، ثبتت بذلك السنة في مواضع ، منها :
- إذا تشهد المصلي في صلاته - التشهد الأول والأخير - فإنه يشير بأصبعه حال تشهده ؛ لما روى مسلم (580) عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام ، فدعا بها ، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها .
وينظر للفائدة للسؤال رقم : (11527) .
- وعند الدعاء ، كما روى أبو داود (1499) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ، فَقَالَ: أَحِّدْ أَحِّدْ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ .
وللفائدة ينظر للسؤال رقم : (130176) .
- وعند دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة ، فقد روى مسلم (874) أن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه : رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ ، فَقَالَ : قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ .
وأما رفع الأصبع عقب الوضوء للتشهد ، فقد سبق في السؤال رقم : (129501) أنه لم يرد بذلك نص ولا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وينظر للفائدة للسؤال رقم : (85171) .
ثالثا :
وأما رفع السبابة عند الاحتضار ، فلم يثبت فيه دليل بخصوصه ، لا أمرا به ، ولا ذكرا له .
إلا أن ما ورد من الإشارة بها في الصلاة عند الشهادتين ، وفي الدعاء ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : أَحِّدْ أَحِّدْ : كل ذلك مما يدل على مشروعية الإشارة بالسبابة عن الإقرار بالتوحيد ، أو الشهادة به ، في الجملة ، وهو ليس أكثر من مواطأة فعل اليد ، لقول اللسان ، على الشهادة بالتوحيد .
ويتأكد مشروعية ذلك في حق الأخرس ، أو العاجز عن الكلام في مثل هذه الحال ، فإنه لو أشار بها ، وأتي بما يقدر عليه من النطق بلسانه ، أو عجز عن النطق بالكلية ، فأشار بالتوحيد بسبابته : فإنه يرجى أن يكون ممن ختم له بـ"لا إله إلا الله " .
لكن ذلك إنما يشرع من فعله المحتضر هو ، فلا يفعل ذلك به ؛ بمعنى : لا يحرك غيره أصبعه ، ولا يؤمر أيضا بذلك ، بل يؤمر بالنطق بالشهادتين ، ويلقن ذلك ، وهي الحال الكاملة .
نسأل الله أن يحسن لنا وللمسلمين الخاتمة ، إنه جواد كريم .
والله أعلم