الحمد لله.
أولا :
يشرع للمسلم أن يسجد شكرا لله عند تجدد النعم ، أو اندفاع النقم ، وسواء كان ذلك الأمر خاصا به ، أو عاما له وللمسلمين ، وسواء كان له تسبب في حصولها ، أو لم يكن .
ودليل ذلك حديث أبي بكرة – " أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ " رواه الترمذي (1578) وحسَّنه ، وأبو داود (2774) وابن ماجه (1394) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد سجد الصديق حين جاءه قتل مسيلمة ، وسجد علي حين رأى ذا الثدية ، وسجد كعب حين بُشِّر بتوبة الله عليه ، إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار .
والمراد بالنعمة : النعمة المتجددة ، بخلاف النعم المستمرة ؛ فلا يشرع لها سجود الشكر ، لما للنعم المتجددة من وقع في القلوب والنفوس ، فلذلك استدعت عبودية مجددة وهي السجود شكرا .
ولأنه لو شرع السجود للنعم المستدامة ، فلن يزال العبد ساجدا إلى يوم القيامة ؛ لأن نعم الله على عبده لا تنقطع .
قال الشوكاني رحمه الله : " فإن قلتَ : نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة ؟ قلت : المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ، ويمكن عدم وصولها ، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت " انتهى من " السيل الجرار " (1/175) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" عند تجدد النعم ، أي : عند النعمة الجديدة ، احترازا من النعمة المستمرة ،
فالنعمة المستمرة لو قلنا للإنسان إنه يستحب أن يسجد لها لكان الإنسان دائما في
سجود ، لأن الله يقول : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) إبراهيم/ 34 ، والنعمة
المستمرة دائما مع الإنسان ، فسلامة السمع ، وسلامة البصر ، وسلامة النطق ، وسلامة
الجسم ، كل هذا من النعم ، والتنفس من النعم وغير ذلك ، ولم ترد السنة بالسجود لمثل
ذلك " انتهى من " الشرح الممتع " (4/105) .
ثانيا :
وبناء على ما سبق ، فالذي يظهر – والله أعلم – عدم مشروعية سجود الشكر لبلوغ رمضان ؛ لأن النعمة بمجيء رمضان حاصلة بدوران العام ، فهي نعمة مستمرة .
وما زالت تحدث هذه النعمة وأمثالها ، ولا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : شرع السجود لها ، أو أن السلف الصالح عملوا بشيء من ذلك ؛ فما زالت الأعياد ، ومواسم الحج ، ومواسم الطاعات تدور ، ولا يعلم لسجود الشجر لها أصل .
بل ما زالت تحدث أمثال هذه النعم ، وبواكير الثمر ، ونحو ذلك : ولا نعلم في سجود
الشكر لها أصلا .
ولذلك لم يرد عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين سجود الشكر لبلوغ رمضان ، مع
استشرافهم له قبل مجيئه بستة أشهر ، يسألون الله أن يبلغهم إياه ، وشدة فرحهم
ببلوغه ، ولا يُعرف أن الناس فعلوه أو درجوا عليه من العصر المتقدم إلى يومنا هذا .
ولذلك : فالذي يظهر في سجود الشكر لبلوغ رمضان : أنه بدعة ، أو هو أقرب للبدعة ، منه إلى المشروعية .
وينظر للفائدة : " الموافقات " للشاطبي (2/270) .
وينظر أيضا : جواب السؤال رقم : (188847) .
والله أعلم