الحمد لله.
أولا :
لا يجوز للأب أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد ، فهذا مخالف للأصول والعقول ،
كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وسبق بيانه في الفتوى رقم : (163990).
فإن علم الزوج أن ولي الزوجة قد أكرهها على الزواج منه ، فلا يجوز له أن يدخل على
زوجته .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولا يحل للزوج أن يدخل عليها وهي مجبرة عليه ؛
لأن النكاح غير صحيح " انتهى من " اللقاء الشهري " [1 /343] .
وليتأمل هذا الأب ما آل إليه حال ابنته من إقدامها على الانتحار ، وقتل نفسها ؛
لأجل الأذى الحاصل لها بإكراهها على الإقامة مع من تبغضه وتنفر منه ولا ترضاه زوجا
لها .
ثانيا :
من حقوق الزوجة على زوجها أن يوفر لها مسكنا مناسبا تأمن فيه على نفسها ومالها ،
فإن كان المسكن لا تأمن فيه على ذلك وجب عليه أن ينقلها إلى مسكن آخر تأمن فيه على
نفسها ، جاء في " حاشية البجيرمي على الخطيب " (4 / 96) : " وَلَا بُدَّ أَنْ
يَكُونَ الْمَسْكَنُ يَلِيقُ بِهَا عَادَةً ، أَيْ بِحَيْثُ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى
نَفْسِهَا وَمَالِهَا وَإِنْ قَلَّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِمُؤْنِسَةٍ حَيْثُ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا ،
فَلَوْ لَمْ تَأْمَنْ أَبْدَلَ لَهَا الْمَسْكَنَ بِمَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا
فِيهِ "
انتهى .
فإن كان هذا المسكن الذي طلبت الانتقال منه بحيث لا تأمن فيه على نفسها ومالها ،
فكان من الواجب على زوجها أن ينقلها منه ، وكان على أبيها حينئذ أن يعينها على ذلك
؛ لا أن يجبرها مرة أخرى على الرجوع ، فيكون بذلك قد جمع عليها ظلمين وارتكب في
حقها إثمين ، مرة بإكراهها على الزواج ممن لا ترضاه ، ومرة بإجبارها على السكن في
مكان غير آمن .
ثالثا :
ما قامت به هذه المرأة من قتل نفسها أمر عظيم منكر ، وفاعله متوعد في النصوص
الشرعية بالخلود في نار جهنم والعياذ بالله تعالى ؛ لأن قتل النفس من كبائر الذنوب
كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (111938)
.
لكن إن أقدم الشخص عليه تحت تأثير مرض نفسي شديد ، أثر على عقله حتى لا يدري ما
يقول ولا ما يفعل ؛ فمثل هذا لا يكون داخلا تحت هذا الوعيد ، إن شاء الله ، كما سبق
بيانه في الفتوى رقم : (146375) .
وأما بخصوص الأب : فلا يظهر
عليه تبعة في أمر انتحارها فيما يتعلق بالناحية القضائية ، لكن يبقى عليه وجوب
التوبة والاستغفار والاعتذار إلى الله سبحانه من هذا الظلم الذي أوقعه على ابنته
مما أدى بها إلى هذه النهاية الأليمة ، وأمر مؤاخذته بالتسبب في ذلك : إلى رب
العالمين ، وأحكم الحاكمين .
والله أعلم .