أمر الله للشمس أن ترجع من حيث جاءت ، عند قيام الساعة !!
كنت أقرأ كتاب لابن كثير عن يوم القيامة , وذكر فيه حديثا من " صحيح مسلم " (159,205) أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذرٍّ حين غربت الشمس : ( أتدري أين تذهب ؟ ) ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن ، فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها )
أنا أدرك أنّ كل شيء في هذا الكون يسبح بحمد الله ، وسجود الشمس من ضمن ذلك ، ولكن كيف يمكن للشمس أن تعود ونحن نعلم أنّ الشمس لا تبقى ساكنة ، فهي دائمة الحركة ، ولا تعود إلى أي مكان ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
نصيحتنا لكل من يخوض في فهم الأحاديث النبوية الشريفة ، أو فهم الآيات القرآنية
الكريمة ، أن لا ينطلق من دعاوى يظنها مسلمات وحقائق كونية ، وهو لا يملك عليها
أدنى دليل علمي ، ولم يوثقها أحد من أهل الاختصاص بالأدلة والبراهين ، بل لا بد أن
يحرص على الموضوعية ، فيأخذ الأمور في جملتها وسياقها الصحيح ، ويدع عن نفسه وقلبه
وسواس التعارض والتناقض، فقد أصبح هذا الأمر هاجسا لدى كثير من الناس ، والسبب قلة
العلم وضحالة البحث .
فقول السائل في آخر سؤاله هنا : " ونحن نعلم أن الشمس لا تعود إلى أي مكان "، على
فرض التسليم به فلا يتعارض مع الحديث ، ولكننا لا نسلم أصلا بصحته ، فالجزم بأن
الشمس لا تعود إلى أي مكان لا يقوى عليه حتى أكابر علماء الفضاء – فيما اطلعنا -،
أو على الأقل إطلاق مثل هذه الدعوى ليس بالأمر السهل ، ولا يكون بجرة قلم يريد
السائل أن يجعلها مسلمة كي نخوض في الجواب عليها .
وقد أمرنا الله عز وجل بالتحري والتثبت في منهج البحث العلمي ، فليس من اللائق أن
نعارض روايات السنة بدعاوى مظنونة .
ومزلق النفي مزلق خطير يقع فيه الكثيرون ، بل هو إحدى أكبر أسباب أخطاء البشر ،
النفي المتسرع ، وعدم الاعتراف بضعف الإنسان وجهله بأسرار هذا الكون .
وآية ذلك : أن الشمس نفسها اكتشفت لها في العشرين سنة الأخيرة مجموعة من الحركات
والمدارات لم تكن معروفة من قبل ، أذهلت العلماء والباحثين ، وتركت في العقول
والقلوب تسليما مطلقا بواسع خلق الله وعظيم صنعه ، الأمر الذي يتعذر معه نفي شيء هو
في عالم الغيب ، وليس في عالم الشهادة .
هذه مقدمة لا بد أن تستقر في ذهن السائل الكريم ، ثم نقول له أيضا :
ثانيا :
إذا لم يكن لدينا قاطع علمي على نفي معين ، وبتفاصيل محددة ، وقد جاء في الأخبار ما
يفهم من ظاهره : إثبات ذلك أو نفيه ؛ لم يكن من المنطق العلمي في شيء : أن نهدر
دلالة النصوص ، أو نستشكلها ، لأجل دليل لم يثبت ولم يتحرر .
يقول الإمام الخطابي رحمه الله :
" لا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش ، من حيث لا ندركه ولا نشاهده ، وإنما هو
خبر عن غيب ، فلا نكذب به ، ولا نكيفه ؛ لأن علمنا لا يحيط به " .
انتهى من " أعلام الحديث شرح صحيح البخاري " (ص/1893) باختصار.
وإذا كان ذلك مبدءا منطقيا في الأمور التي تجري على السنن المعتاد في حياة الناس ؛
فكيف يكون الأمر ونحن نتحدث عن حالة من أعظم أحوال اختلال السنن الكوني المعتاد من
الناس ، وانفراط النظام الذي يجري عليه الكون ؛ إيذانا بذلك الحدث الضخم ، وهو
انتهاء أمر الكون والحياة فيه ، وانتقال الناس إلى مواقف القيامة عند رب العالمين ؟
فمثل هذا أمر لا يخضع لقوانين العقل ، ولا حسابات الفلك ، ولا نظر الناس وعقولهم ؛
إنما هي الإرادة التامة ، والقدرة المطلقة لخالق الكون ، رب العالمين .
ومثل هذا يقال عن أشراط الساعة الكبرى ، وأحوال القيامة ، وأهوالها ؛ فهذا كله خارج
عن القياس العقلي البشري ، لأنه ليس من حركة الكون المعتادة للناس ، ولا من حركتهم
في هذا الكون ، في شيء .
قال الإمام الحافظ أبو بكر ابن العربي ، رحمه الله :
" وأما طلوع الشمس من مغربها فهو قلب الهيئة وإبطال الدنيا " انتهى من "عارضة
الأحوذي" .
والخلاصة : أن المراد بـ " رجوع الشمس " من حيث جاءت : هو طلوعها من مغربها ، وهو
من أمور الغيب الممكنة ، وقد جاء به الخبر ، وليس في قواطع العلوم ما ينفي ذلك ؛ ثم
إن ذلك إنما يكون عند اختلال نظام العالم ، وعلامة على فناء الدنيا ، ومجيء القيامة
.
والله أعلم .