الحمد لله.
ثانيا :
هوني على نفسك أختي السائلة ، لماذا كل هذا الانفعال والتأثر والغضب ، ولنا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم لم يغضب لنفسه قط
؛ كم أساء إليه المشركون وآذوه وسبوه ، بل حاولوا قتله عدة مرات ؟ ومع ذلك كان سليم
الصدر صلى الله عليه وسلم ، لم يحمل ضغينة ولا حقدا ولا غلا على أحد ، ولا غضب من
أحد لكونه اعتدى عليه صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان يغضب إذا انتهكت حدود الله
وتعالى .
فجاهدي نفسك على عدم الغضب لنفسك ، وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا
تَغْضَبْ، لَا تَغْضَبْ، لَا تَغْضَبْ .... كررها مرارا ) رواه البخاري (6116) .
ثالثا :
من تتحدثين عنها هي أختك ، التي يجب عليك صلتها وبرها والإحسان إليها ، وهي أولى
الناس بحسن معاملتك ، وأن تتحملي منها ما لا تتحملين من غيرها .
وصلة الرحم الحقيقية تكون مع الأقارب الذين يسيئون إلى الإنسان ، وليست مع الذين
يحسنون إليه ؛ لأن من يحسنون إليه هو مأمور بمكافأتهم على معاملتهم الحسنة لهم .
رابعا :
هناك أسباب كثيرة تجعلك تتحملين أختك ، هي أختك التي يطلب منك صلتها والإحسان إليها
.
وأيضا : برا بأبويك ، فإن من البر الذي يستمر بعد وفاة الوالدين : أن يراعي الولد
حرمة أبويه ، فيحسن إلى أصدقائهما وأقاربهما وأحبابهما . قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيه ) رواه مسلم
(2552) . وانظري إلى تطبيق الصحابة لهذا الحديث :
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَ عبد الله
بن عمر بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى
حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ .
فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ : فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ! إِنَّهُمْ
الْأَعْرَابُ ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :
إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ... وذكر الحديث
المتقدم .
فتأملي ، كيف أكرم عبد الله هذا الرجل وأعطاه حماره وعمامته ، لا من أجل أنه كان صديقا لعمر ، بل كان أبوه صديقا لعمر وودا له ؟!
خامسا :
المسلم سليم القلب تجاه إخوانه المسلمين ، لا يحمل في قلبه حقدا ولا غلا ولا كراهية
لأحد ، إلا أن يكرهه بسبب معصيته لله تعالى ، وفي الوقت ذاته يحبه لما معه من إيمان
وإسلام وطاعة لله تعالى .
هذا موقف المسلم من المسلمين عموما ، فكيف بأقرب الناس إليه ؟
سادسا :
لماذا لا تحاولين أن تعيشي مع أختك بالحب والرفق واللين بدلا من المنازعات والعداوة
والشكاوى للناس ؟
لماذا لا تظهرين لها أنك تحبينها وتحبين لها الخير؟
لماذا لا تصارحينها بذلك ؟ أنك تحبينها ، وتحبين أن تعيشي معها في هدوء ، وأن لا
يدخل الشيطان بينكما فيفسد علاقتكما ، مما يترتب عليه القلق والحيرة والحزن
والكراهية .... وكل ذلك يفرح به الشيطان .
ثم لا شك أن تلك العلاقة المتوترة سوف تؤثر على دينك وصلاتك وعبادتك لله ، وذلك
أيضا مما يفرح به الشيطان .
وانظري إلى يوسف عليه السلام رغم كل ما فعله معه إخوته قال : ( مِنْ بَعْدِ أَنْ
نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) يوسف/100. وسامحهم وعفا عنهم
حينما تمكن منهم وقال : ( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ
اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) يوسف/92. أي : لا لوم عليكم . ثم
دعا لهم بالمغفرة على ما فعلوه .
فلماذا لا تقتدين بيوسف عليه السلام ؟ وقد قص الله لنا قصته لنأخذ منها العبرة
ونستفيد منها .
لماذا لا تغيظين الشيطان الذي يريد أن يفسد علاقتك بأختك ؟
لماذا لا تكثرين من الدعاء لها بالهداية والصلاح والمغفرة ؟
لماذا لا تحاولين أن تعيشي معها في هدوء رغم كل ما تفعله وتشتكين منه ؟
سابعا :
ثم اعلمي أن كل ما يصيب المؤمن من هم أو حزن أو تعب حتى أقل شيء ... كل ذلك يكفر
الله به من خطاياه . فحتى لو أساءت أختك إليك ، فانظري إلى عاقبة تلك الإساءة ، وأن
الله ساقها إليك لتكون سببا لتكفير ذنوبك ، حتى تلقي الله وما عليك خطيئة .
فأيهما أفضل لك ، وما الذي تختارين : أن تتحملي إساءتها ، ويكفر الله عنك ذنوبك ،
أو أن تلقي ربك بذنوبك كاملة ؟ قال الله تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216.
وأخيرا ... إننا لا نوصيك بالصبر والتحمل فحسب ، بل نوصيك بالإحسان إليها على قدر
ما تستطيعين ، وعلى قدر إحسانك إليها يكون ثوابك عند الله تعالى ، مع ما ترجين من
تبدل أخلاقها ومعاملتها لك .
وبدلا من الدعاء بالموت ، أو انتظار الموت ، أو الشر ، بأختك ، أو بك أنت نفسك ،
ضيقا منها ومن عيشها ؛ بدلا من ذلك كله : ادعي ربك أن يرزقك زوجا صالحاً ، وأن يرزق
أختك هي الأخرى : زوجا صالحا ؛ وساعتها تفترقان إلى أمر خير ، لك ولها ، وتزول
الشحناء ، ويبارك الله لكما ، بمنه وكرمه .
نسأل الله تعالى أن يصلح
أحوالكم وأن يجمع بينكم في خير .
والله أعلم .