أنا من عائلة مسلمة متمسكة بالدين ، عندي خال ( أخو أمي ) هاجر إلى فرنسا لطلب العلم عن عمر 20 سنة ، واستوطن فيها الى يومنا هذا ، ورفض العودة إلى البلاد ، دامت هجرته 35 سنة وللأسف انحرف عن الدين الاسلامي ، ترك الصلاة و الصيام وأصبح لا يؤمن حتى بالدين الاسلام ولم يتبع حتى أديان أخرى ، بعد وفاة جدي سافرت جدتي عنده ، وقررت العيش معه ومع زوجته المسيحية وأولاده الذين لا يعرفون الدين ، وبعد مكوثها عنده مدة 10 سنوات حاولت معه أن ترده الى الصواب وأن يتوب ، لكن للأسف بدون جدوى .
هي الآن تسأل : هل عليها ذنب وتحاسب يوم القيامة عن انحراف ابنها عن الدين الإسلام ؟
الحمد لله.
أولا :
نتقدم بالعزاء لهذه الأم ، ونسأل الله تعالى أن يهدي لها ولدها ، ويلهمه رشده .
ثانيا :
هذه الأم المكلومة ليس لها من هداية ابنها أو ضلاله شيء ، وليس عليها من إثمه شيء ، فإن كل إنسان مسئول عن عمله ومحاسب عليه .
قال الله تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الإسراء/ 15 .
وقال تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) فاطر/ 18 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله ، ولا يحمل أحد ذنب أحد . ( وإن تدع مثقلة ) أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب ، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها ( لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) فإنه لا يحمل عن قريب ، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا ، يساعد الحميم حميمه ، والصديق صديقه ، بل يوم القيامة ، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد ، ولو على والديه وأقاربه " انتهى من " تفسير السعدي " (ص/687) .
وروى الترمذي (2159) وصححه عن عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلنَّاسِ : ( أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .
وروى أبو داود (4495) عَنْ أَبِي رِمْثَةَ ، قَالَ : انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِأَبِي : ( ابْنُكَ هَذَا ؟ ) قَال َ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَة ِ، قَال : ( حَقًّا ؟ ) قَالَ : أَشْهَدُ بِهِ ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهِي فِي أَبِي ، وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
قال القاري رحمه الله في " مرقاة المفاتيح " (6/2272) :
" ( لَا يَجْنِي عَلَيْكَ ) أي : لَا تُؤَاخَذُ بِذَنْبِهِ ( وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) أَيْ : لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِكَ " انتهى .
فليس على هذه الأم شيء من إثم ابنها ، ولكن .. عليها أن تستمر في نصحه ووعظه ، وينبغي أن تظهر له كراهتها لما هو عليه ، وإن كانت مقاطعتها له سوف تؤثر فيه ويعود إلى رشده ، فإنها تقاطعه رحمةً به ، وشفقةً عليه .
والله أعلم .