الحمد لله.
ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأن النصارى فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى ، بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه، وهذا هو الذي يقتضيه سياق الآيات المسؤول عنها ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ 82 وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة / 82 – 83 ، فالآيات تتحدث عن قوم من النصارى لما عرفوا الحق أسلموا وأعلنوا إيمانهم .
قال العلامة ابن القيم في هذه الآيات :
"والمقصود أن هؤلاء أي الموصفين بهذه الصفات الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان" .
أما لعنة من لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأدلة القطعية الدالة على ذلك ، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) المائدة / 72 ، وإذ يقول : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) المائدة / 73
إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم .
ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى في آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) المائدة / 86
فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم بتصرف . مجلة البحوث الإسلامية (58/36-39) .