وضع لافتة على باب المسجد لتذكير الناس فأنكر أحدهم عليه .
في رمضان السابق قام أحد المتطوعين في الأذان ، وله بعض المهام في شؤون المسجد بإلصاق ورقة عند باب المسجد ، وكان فيها التالي :
يا ابن ادم ! إن ذهب منك يوم فهو من عمرك ..- أو كلمة نحوها - ، وتحتها جدول يعد أيام رمضان ، ويتم تعين اليوم الذي مضى ، وهكذا حتى ينتهي الشهر.
وقد ناقشه بعنف أحد المصلين ، بل منعه من ذلك ، وقال : إن هذا لا يجوز ، وهو من قبيل التعبد ، ولم يرد عند السلف الصالح شيء من ذلك .
والسؤال :
هل هذا الفعل - أي تلك الورقة السالفة الذكر - عمل صالح له شواهد من أعمال التزكية لسلفنا الصالح ، وهل هو من قبيل الإعلام والتذكير ؟
وهل من نصيحة في مثل هذا الأمر ، أي التعليل بعمل السلف وإيقاعه في واقعنا ؟
الجواب
الحمد لله.
لا حرج في تلك اللوحة الوعظية التي علقها المؤذن ، فهي لا تشتمل إلا على الوعظ
والتذكير ، وتعليقها مكتوبة عند باب المسجد ليس من باب البدع ، فالتعليق ليس شعيرة
أو عبادة لذاتها ، بل هي وسيلة من وسائل التعليم والتذكير ، والوسائل لها أحكام
المقاصد ، فإذا كان المقصد حسنا ، وهو هنا الموعظة وترقيق القلوب ، كانت الوسيلة
حسنة ، تماما كما هو حكم استعمال مكبرات الصوت في المساجد ، وتدوين العلوم في الكتب
، ومن قبل ذلك كله جمع المصحف الذي استقر عليه إجماع الصحابة الكرام ، كلها من
الوسائل التي يبلغ العلم الشرعي فيها للناس ، ويذكرهم بالله والدار الآخرة .
وهناك فارق كبير بين الوسائل والبدع ، فالوسائل غير مقصودة لذاتها ، بل ترجع دائما
إلى مقصد من المقاصد المرادة ، أما البدعة فيقصدها المبتدع لذاتها ، ويعدها عبادة
من العبادات . ومن غاب عنه هذا التفريق حكم ببدعية أشياء ليست من البدع .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نلاحظ في الطرق الطويلة لوحات كتب عليها عبارة
مثل : اذكروا الله ، أو صلوا على النبي ، أو سبحوا الله ، أو لا تنسوا ذكر الله ،
فهل هذا العمل بدعة ؟
فأجاب:
"الذي أرى أن مثل هذا العمل جائز ؛ لما فيه من التذكير بأمر مشروع ، وهو ذكر الله
عز وجل ، وذكر الله عز وجل مشروع في كل وقت ، قال الله تبارك وتعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) وذكر الله كثيرا من الأوصاف الحميدة الموجبة للمغفرة والأجر
العظيم : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً
وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) .
وبناء على ذلك فإن التذكير بهذا الأمر المشروع ليس ببدعة ؛ لأنه وسيلة لأمر مشروع ،
ووسيلة الأمر المشروع مشروعة .
ويجب علينا أن نعرف الفرق بين الغايات والوسائل ، فإذا كانت الغايات مشروعة كانت
الوسائل الموصلة إليها مشروعة ، ولا تعد من البدع " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (24/ 2، بترقيم الشاملة).
وقال أيضا رحمه الله :
" البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه الله عزَّ وجلَّ ، هذه هي البدعة . أما
وسائل العبادة فإنها ليست ببدعة ، فهناك فرق بين المقاصد والوسائل ، فلو قال قائل –
مثلاً - : مكبر الصوت في الصلاة والخطبة والمواعظ كان غير موجود في عهد الرسول ،
فهو بدعة ! لقلنا : هذا غلط ؛ لأن ذلك وسيلة لإيصال الخير إلى الناس .
وهذه اللافتات التي توجد في الطرقات وسيلة لتذكير الناس بذكر الله عزَّ وجلَّ ".
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (25/ 25، بترقيم الشاملة آليا) .
والله أعلم .