الحمد لله.
لكن هذا التصفيد لا يلزم منه عدم التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في شهر رمضان ، لا سيما في المواضع التي شرع فيها التعوذ بالله منه ، كما هو الحال عند قراءة القرآن الكريم ، أو عند دخول الخلاء ، ونحو ذلك ؛ وهذا لأمرين :
الأمر الأول : الحديث أثبت تصفيد الشياطين وأنها تسلسل في شهر رمضان ، لكنه لم ينص على توقف وسوستها أصلا .
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى :
" وقوله ( وصفدت الشياطين ) : يحتمل أن يريد به على الوجه الأول أنها تصفد حقيقة ، فتمتنع من بعض الأفعال التي لا تطيقها إلا مع الانطلاق ، وليس في ذلك دليل على امتناع تصرفها جملة ، لأن المصفد هو المغلول العنق إلى اليد ، يتصرف بالكلام والرأي وكثير من السعي ..." انتهى " المنتقى " ( 2 / 75 ) .
ولمزيد الفائدة عن معنى تصفيد الشياطين راجع الفتوى رقم : ( 39736 ) ، ورقم : ( 12653 ) .
الأمر الثاني :
التعوذ بالله من الشيطان الرجيم شرع وأمر به في عدة مواطن ؛ منها : عند نزغ الشيطان ووسوسته ، قال الله تعالى :
( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأعراف /200 .
وكذلك يشرع التعوذ عند إرادة قراءة القرآن ، قال تعالى أيضا :
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل /98 .
وهذا يعني ؛ أن التعوذ بالله من الشيطان الرجيم أمر تعبدي مشروع ، فلا يصح القول بعدم فائدته في وقت من الأوقات إلا بنص ممن شرع هذا العمل أصالة ، لأنه أمر غيبي لا مدخل للعقل فيه ، وحيث لم يستثن الشرع رمضان من عموم الأمر بالتعوذ بالله من الشيطان ، فلا وجه لاستثناء ذلك بمجرد الاستنباط العقلي ، حتى مع التسليم بتصفيد الشياطين في رمضان ؛ فإن ذلك كله من خبر الشرع ، وأمره ، ولا تعارض بينهما في شيء .
فالخلاصة : على المسلم أن يستمر في التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مواضعه المشروعة ، ولا يترك ذلك بمجرد رأي يعرض لنظره ، أو شبهة تطرأ في ذهنه .
والله أعلم .