الحمد لله.
أولا :
إذا نزلت بالشخص العامي نازلة احتاج أن يعرف حكم الله تعالى فيها فيجب عليه أن يقصد
أعلم وأورع من يعرفهم من أهل العلم الثقات الذين لا يتساهلون في الفتوى , فيسأله عن
حكم الله تعالى في نازلته , فإن أخبره فعليه أن يعمل بفتواه , وبرهان ذلك قول الله
تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
الأنبياء/43 ، وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه , بمعنى أنه يلتزم بما
أفتاه به العالم الذي سأله ، وبذلك الأمر تتوحد عليه جهة الفتوى ويسلم من الاختلاف
والتضارب .
ولا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقًا بقوله ، أن يستفتي غيره ؛ لأن هذا يؤدي
إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص ، بحيث يسأل فلانًا، فإن لم يناسبه سأل الثاني ،
وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يشتهي وما يريد , وهذا
لا شك من الضلال المبين ، لأن السائل في هذه الحالة يكون متبعا لهواه وليس متبعا
لشرع الله .
ثانيا:
إذا نزلت نازلة بأحد العوام ولم يجد كبار أهل العلم ليسألهم ، فلا حرج عليه أن يقصد
من هو دونهم في العلم فيسأل أحد طلاب العلم النابغين النابهين الذين يتقون الله
تعالى ويعمل بفتواه , فإن فعل هذا من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم
أوثق منه في علمه ودينه سأله، فهذا لا بأس به .
ثالثا:
من لم يتوافر لديه فرصة لاستفتاء العلماء ولا طلاب العلم مشافهة ، فعليه أن يراسلهم
لاستفتائهم ، أو يراسل بعض المواقع الموثوقة المشتهرة بالفتوى , وقد صارت المراسلة
بفضل الله سهلة ميسورة في هذا الزمان الذي يسر الله سبحانه فيه التقنيات الحديثة في
الاتصالات .
والنصيحة للسائل : ألا يكثر
من تطريق الاحتمالات العقلية ، والإيرادات والشبهات ؛ فانظر يا عبد الله فيما تبين
لك من دين الله : فاعمل به ، فالمحكم من دين الله وكتابه ، هو أصله ، وأساسه ،
ومعظمه ، وما أشكل عليك فكله إلى عالمه ، واعلم أنه لا حجة لأحد على رب العالمين ،
بل لله الحجة البالغة على خلقه ، سبحانه .
وقد قال الله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
البقرة/256 ، وقال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) التوبة/115 ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ
بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) الشورى/6 .
فاسأل من تثق في علمه ودينه واعمل بما أفتاك به ، فذلك هو ما كُلفت به شرعا ، أما
اختلافات العلماء ، فهذه يبحث فيها أهل العلم ولا مدخل للعامي فيها .
والله أعلم.