الإسلام سؤال وجواب

زوجها لا يكفيها في النفقة فتأخذ من مال أبيها الذي يبيع الخمر

17-01-2015

السؤال 223741


لقد مضى على زواجي عام ونصف وأنا مازلت معتمدة مادياً على والدي ، وذلك لأن زوجي يدّعي أنّ معظم الأعمال والوظائف في بريطانيا حرام ، بما في ذلك العمل في السوبرماركت الذي يعمل فيه حالياً ، ولذلك فهو لا يعمل بدوام كامل ، وكانت تبعات قراره هذا أنه لا يقدر على الإنفاق علي ، مما جعلني اعتمد على والدي كلياً حيث أحصل على المال منه ، وأتناول الطعام معه من الطعام الذي يقدمه ، ولكن زوجي يقول إنه يجب أن لا آكل معهم ، لأن أحد المحال التي يملكها أبي تبيع الخمر ، بالإضافة إلى أشياء أخرى حلال ، مع العلم أن زوجي لا يقدم لي شيئا ، ودائما يبحث عن شيء ضد عائلتي ، وهو يدعي أنّ الواجب عليه فقط أن يؤمن لي المسكن والملابس والطعام بالحد الأدنى ، أما أثاث البيت كالأريكة وغيرها ، فهو يعدها أموراً رفاهية لا تجب عليه ، ويستدل بالأدلة الشرعية على ذلك . ولكنني تحدثت معه ، وشرحت له أنه الواجب الشرعي عليه من جهة الإنفاق حسب ما تعارف عليه الناس ، ولكنه يرفض ذلك ، فهو يظن أنه يقدم ما يستطيع تقديمه ، ولكن ذلك بسبب الأعذار التي يختلقها لنفسه حتى لا يعمل بعد زواجنا ، على الرغم من الشروط التي اتفق عليها مع والدي.

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بمقدار كفايتها بالمعروف ( وهو ما أقره الشرع ، وتعارف عليها الناس ) ، وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض حقوق المرأة على زوجها في خطبته العظيمة في عرفات ، فقال : ( ولَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218) .
والحاجات الأساسية للإنسان هي : المسكن ، والطعام والشراب ، والملبس .
ثم هناك حاجات أخرى لا ينبغي إهمالها : كنفقات التعليم والعلاج والأثاث والأجهزة المنزلية ، والخادمة والمربية للأطفال ... إلخ .
وكل هذه الأشياء يرجع فيها إلى ما تعارف عليه الناس ، فقد يكون وجود الخادمة شيئا هاما وأساسيا في بعض المجتمعات أو العائلات ، فيكون إحضارها وتحمل نفقاتها واجبا على الزوج ، بخلاف المجتمعات التي لا تعتاد ذلك ، فلا يكون إحضار الخادمة فيها واجبا على الزوج .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف وليست مقدرة بالشرع ؛ بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما ؛ فإن الله تعالى قال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ) ، وَقَالَ : ( لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) " انتهى من " مجموع الفتاوى (34/83) .

وقال رحمه الله – أيضا - (34/86) :
" وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف ، فمعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها ، وبتنوع الزمان والمكان ، وبتنوع حال الزوج في يساره وإعساره ، وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة ، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف ، ولا طعام البلاد الحارة كالباردة ، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير . كالمعروف في بلاد الفاكهة والخمير " انتهى .
والظاهر أن قصده بـ ( الخمير) البلاد التي من عادة أهلها أكل أنواع جيدة من الخبز ، فيكون ذلك واجبا على الزوج .

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" يجب على الرجل نفقة زوجته بما لا غنى لها عنه ، وكذلك كسوتها بالمعروف ، ومسكنها مما يصلح لأمثالها " انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " جمع أشرف عبد المقصود (2/880) .

ويتضح من هذا أن قول زوجك : " إن الواجب عليه أن يؤمن لك الحد الأدنى من المسكن والملابس والطعام " ليس بصواب ، بل الصواب أنه يؤمن لك من هذه الأشياء ما يناسب حالك وحاله ، مما اعتاده الناس في بلادكم .
وقد سبق في كلام شيخ الإسلام أن البلاد التي يعتاد أهلها أكل الفاكهة والخبز الجيد ، يكون ذلك هو المعروف فيها ، ويكون واجبا على الزوج ، ولا يكفي الزوج في هذه البلاد أن يقدم لزوجته الحد الأدنى من الطعام .
ويقال الأمر نفسه في أثاث البيت والأجهزة المنزلية ... الواجب في هذا كله ما جرى به العرف واعتاده الناس .
ولذلك قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في حكم الإتيان بخادمة للزوجة قال : " امرأة ممن يُخدم مثلها ، نقول للزوج : يجب عليك أن تأتي لها بخادم ، فإن قال : هي امرأة شابة تستطيع أن تخدم نفسها ، قلنا : لكن لها رزقها وكسوتها بالمعروف ، وهذه امرأة ممن يخدم مثلها ؛ إمَّا لكبرها ، أو لصغرها ، أو لشرفها ، وإذا كانت المرأة ممن يخدم مثلها لهذه الأسباب الثلاثة ، فإنه يُلزم الزوج بخادم ...
وهذه المسألة راجعة إلى العرف ، ففي عرفنا بالمملكة الخادم لا يجب لأحد ، اللهم إلا في الأزمنة الأخيرة بدأ الناس يأتون بالخدم ، أمَّا في الأول فلو كانت من أشرف الناس أو أغنى الناس ، فلا تحتاج إلى خادم ، وهي قد عرفت أنها إنما جاءت لزوجها لتخدمه ، لكن إذا تطورت الأحوال فالمسألة راجعة للعرف ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة أرجعت هذا الأمر إلى العرف " انتهى من " الشرح الممتع " (13/461) .

ثانيا :
إذا ثبت أن الزوجة لها على زوجها أن ينفق عليها بالمعروف ، فالواجب على الزوج أن يتكسب ويعمل ليحصل المال الذي يستطيع به أن يقوم بما أوجب الله عليه من النفقة بالمعروف .
وفي الوقت ذاته يجب على الزوجة أن تكون معينة لزوجها على الكسب الحلال الطيب ، وأن تصبر وتتحمل إذا لم يجد زوجها عملا حلالا ، فإن ( كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به ) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا اتقى العبدُ ربَّه فتح الله عليه أبواب الرزق من حيث لا يدري ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3 .

ثالثا :
أما استفادتك من مال أبيك ، فقد ذكرت أن والدك يبيع الخمر في أحد المحلات التي يملكها وهذا لا يجعل ماله حراما عليك ، لأن ماله ليس حراما خالصا ، بل فيه جزء حرام اختلط بالحلال ، ومال الأب المختلط لا يحرم على أولاده الاستفادة منه ، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (72880) .

وأيضا : هذا المال المحرم ليس كالمال المسروق الذي يحرم على كل أحد أن ينتفع به ، لوجوب رده إلى صاحبه ، وإنما يحرم الاستفادة بهذا المال لمن اكتسبه بطريقة محرمة فقط ، أما أولاده وزوجته وأصحابه ... إلخ فلا حرج عليهم من الانتفاع بهذا المال كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (85419) .

ويتأكد جواز انتفاعك بهذا المال بسبب حاجتك إليه وعدم إنفاق زوجك عليك النفقة التي تكفيك .

وخلاصة الجواب :
- أنه يجب على زوجك أن يعمل ويكتسب حتى ينفق عليك النفقة المناسبة لحالك وحاله ، مما جرى به العرف في بلادكم .
- إذا تأخر زوجك في الحصول على عمل مباح ، مع جده ، وسعيه في ذلك : فينبغي أن تصبري حتى ييسر الله له أمره .
- لا حرج عليك من الانتفاع بمال أبيك لأنك محتاجة إلى ذلك ، ولأن مال أبيك فيه نسبة كبيرة من الحلال وليس كله حراما ، ولأن الحرام الذي فيه إنما يحرم الانتفاع به على والدك فقط .

نسأل الله تعال أن ييسر لك أمرك ، ويصلح لك زوجك .

والله أعلم .

العشرة بين الزوجين الحقوق الزوجية النفقة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب