الحمد لله.
وذهب أكثر العلماء إلى أنه
لا يقع به الطلاق فيما بينه وبين امرأته ، أما إذا وصل الأمر إلى القاضي فإنه يحكم
بوقوع الطلاق ، لأن القاضي يحكم بناء على ما يظهر من الألفاظ .
جاء في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (حنفي) (3 / 264): " وَلَوْ أَقَرَّ
بِالطَّلَاقِ وَهُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ" انتهـى.
وفي "الشرح الكبير" للشيخ الدردير ، و" حاشية الدسوقي" (مالكي) (2 / 390) : "فَإِنْ
ادَّعَى الْإِخْبَارَ كَذِبًا : دُيِّنَ عِنْدَ الْمُفْتِي" انتهى .
وفي " حاشية الجمل على شرح المنهج " (شافعي) (4 / 381) :"وَلَوْ قِيلَ لَهُ
اسْتِخْبَارًا : أَطَلَّقْتهَا ؟ أَيْ : زَوْجَتَك ، فَقَالَ : نَعَمْ ،
فَإِقْرَارٌ بِهِ ، أَيْ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ زَوْجَتُهُ
فِي الْبَاطِنِ" انتهى .
وقد ذهب إلى هذا القول بعض الحنابلة ِ، فقد ذكره ابن مفلح في " الفروع " (9/47) عن
ابن أبي موسى الحنبلي .
وكل هذه العبارات معناها واحد : وهو أنه يقع الطلاق إذا وصل الأمر للقاضي ، أما إذا لم يصل ، فيقبل دعوى الزوج أنه لم يقصد الطلاق ، فلا يقع بذلك طلاق .
وذهب آخرون من العلماء إلى
أن هذا اللفظ ليس من صريح الطلاق ، وإنما هو من كناياته ، فلا يقع به الطلاق إلا
إذا نواه الزوج ، فإذا لم ينوه لم يقع بذلك الطلاق .
وهذا القول ذكره المرداوي الحنبلي رحمه الله في " الإنصاف " (13/377) فقال :
"ويحتمل أن لا يكون صريحا، قاله الزركشي" انتهى .
وقد اختار هذا القول الأخير فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع" (13/66) فإنه قال : " إذا سئل أطلقت امرأتك ؟ فقال: نعم ، فيقال: إذا أراد الكذب فإنه لا يقع ، وإن أراد الطلاق فإنها تطلق ؛ لأنها كناية ، والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو قرينة" انتهى.
هذا ، مع أن اللفظ الوارد في
السؤال : أهون من ذلك ، فإنه ليس فيه إخبار "صريح" بأنه طلق امرأته ، بل فيه لفظ
محتمل " ليس لدي زوجة الآن ... " ، وهذا يحتمل أنه يريد أنها ليست معه ، وهو يكلم
صاحبه ، وأنها مضت في طريق آخر ، سوى المكان الذي يتواجد فيه الآن . ويحتمل الإخبار
ـ كذبا ـ عن أنه طلقها .
وإذا كان ذلك محتملا ، فإنه يعتبر من ألفاظ الكنايات التي لا يقع بها طلاق ، إلا
إذا نواه الزوج .
وعلى المسلم أن يجتنب الكذب في أموره كلها ، لاسيما في هذه الأمور العظيمة .
والله أعلم .