الحمد لله.
ودلت نصوص القرآن والسنة على أن الشهر إنما يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال .
قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) البقرة / 189 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ) رواه البخاري ( 1906 ) ومسلم ( 1080 ) .
فهذه الآية والحديث وغيرهما : تدل على أن المعتمد في دخول الشهور وانتهائها هو رؤية الهلال.
فينتج من كل ما مضى ؛ أن السنة شرعا اثنا عشر شهرا ، مقدرة بالقمر ومنازله ، وليس بالشمس ، والشهر يدخل برؤية الهلال ، فتكون السنة التي شرعها الله للنبي صلى الله عليه وسلم ليعتمدها المسلمون في مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم : هي السنة القمرية .
والسنة القمرية تنقص عن الشمسية بحوالي أحد عشر يوما ، وهذا يجعل الشهر القمري يتنقل بين فصول السنة ، ولا يكون ثابتا أبدا .
2- إذا رجعنا إلى حوادث السيرة النبوية - التي ضبط المؤرخون تواريخها - ثم قارنا بينها سنخرج بنتيجة واحدة ؛ هي أن شهر رمضان كان متنقلا بين فصول السنة ، ومما يدل على ذلك أن غزوة بدر الكبرى كانت في 17 من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، الموافق 13 مارس (آذار) سنة 624 م .
وبعد ست سنوات وقع فتح مكة ، وكان في يوم 20 من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة الموافق 10 يناير (كانون الثاني) سنة 630 م .
وهذا يدل على أن شهر رمضان لم يكن شهرا ثابتا بل كان ينتقل في فصول السنة .
فبين الغزوتين (غزوة بدر الكبرى وغزوة فتح مكة) ست سنوات . فينقص التاريخ القمري عن التاريخ الشمسي في هذه السنوات الست 66 يوما تقريبا ، وهو الفرق بين تاريخ الغزوتين فعلا .
وبهذا تتفق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة مع حوادث التاريخ والسيرة النبوية ، ويدل ذلك كله على أن شهر رمضان ، وكذلك جميع الشهور القمرية لم تكن ثابتة بل كانت تنتقل في فصول السنة .
ثانيا :
زعم بعض الباحثين أن العرب قبل الإسلام كانت تؤخر الحج كل سنة أحد عشر يوما ، حتى لا يأتي الحج في وقت غير مناسب للسفر كالحر أو البرد الشديدين .
وهذا القول – وإن كان قد قاله بعض المؤرخين- إلا أنه مجرد قول قد قيل ، وليس هناك من الروايات الصحيحة ما يثبته .
وقد بنوا على هذا القول أن حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في العام التاسع : كانت في شهر ذي القعدة ، وهذا قول قد أنكره العلماء ، إذ كيف يرسل الرسول أبا بكر والمسلمين للحج في غير ميقاته الشرعي ؟!
وقد أنزل الله تعالى قرآنا وصف فيه يوم النحر ذلك العام بأنه يوم الحج الأكبر ، وهذا لا يكون إلا إذا كان الحج في موعده .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ، وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ، فلو لم تكن في ذي الحجة ، لما قال تعالى : ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .