الحمد لله.
وبناء على هذا ؛ فمن سب العيد الإسلامي ، فقد سب الإسلام ، ومن سب الإسلام فقد ارتد ووجب قتله .
لكن قبل الحكم على الشخص
بأنه مرتد يجب التحقق من وجود شروط التكفير وانتفاء موانعه .
ومن تلك الموانع : عدم القصد ، فقد يخطئ بعض الناس في اللفظ ، بدون قصد ، فلا يحكم
عليه بالكفر ، مثل ذلك الرجل الذي وجد راحلته بعد أن يئس منها ، وكان عليها طعامه
وشرابه وجلس ينتظر الموت ، فلما وجدها قال الرجل من شدة الفرح : (اللَّهُمَّ أَنْتَ
عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ
الْفَرَحِ) رواه مسلم (4932) .
فهذا الرجل قد تكلم بكلام هو كفر ، ولكنه لم يكفر لأن الكلام سبق على لسانه من غير
قصد منه ، فشدة الفرح أذهلت هذا الرجل وجعلته يخطئ في الكلام ، فكان معذورا بذلك .
ومثل ذلك أيضا : شدة الغضب ، فقد يبلغ الغضب من الإنسان مبلغا عظيما يجعله غير كامل
الإرادة والاختيار لما يقول ، فيكون ذلك عذرا له ، وقد قص الله تعالى علينا قصة
موسى عليه السلام حينما رجع إلى قومه فوجدهم يعبدون العجل ، فغضب غضبا شديدا ،
وألقى الألواح من يده ، وهي الألواح التي كتبها الله له ، (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى
إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ
يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) الأعرف/150 . فكانت شدة الغضب عذرا لموسى عليه السلام .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في الكلام على تأثير الغضب الشديد على التصرفات :
"واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه لما وجد قومه على عبادة
العجل ، اشتد غضبه عليهم ، وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة
الغضب ، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح ، ولا بجر أخيه هارون وهو نبي مثله ،
ولو ألقاها تهاوناً بها وهو يعقل لكان هذا عظيماً ، ولو جر إنسانٌ النبيَّ بلحيته
أو رأسه وآذاه ، لصار هذا كفراً .
لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم لله عز وجل على ما جرى من قومه : سامحه الله
، ولم يؤاخذه بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (1/
375) .
وبناء على هذا ؛ فهذا الشخص المسئول عنه لا يحكم عليه بالكفر لأن ذلك كان منه زلة لسان نتيجة انفعاله وغضبه ، ولم يقصد إهانة الدين كما ورد في السؤال .
ثالثا :
أما من سب العيد سرا ولم يعلن بذلك ، فإنه يكون كافرا مرتدا فيما بينه وبين الله
تعالى ، ولكنه يكون عند الناس مسلما ، وهذا هو المنافق الذي قال الله تعالى فيه :
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ
لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء/145-146.
وأما عقوبته في الدنيا فلا عقوبة عليه ، لأن العقاب في الإسلام (بإقامة الحدود
وغيرها) إنما يكون لمن أظهر جريمته ، والمنافق يعامل في الدنيا معاملة المسلمين
بناء على ما يظهر منه ، ثم يوم القيامة يكون عقابه أشد من عقاب الكفار المعلنين
بالكفر .
وعلى من فعل شيئا من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، قبل أن ينزل به الموت ، فيندم
أشد الندم وقت لا ينفعه الندم .