طلقها زوجها تحت تهديد أهلها ثم ألغت المحكمة حكم الطلاق فماذا تفعل مع إصرار أهلها على الرفض؟
تزوجت من رجل باختياري في عام 2009 ، ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش مع أهلي وهو يعيش مع أهله بسبب معارضتهم لهذا الزواج ، ولا نزال نحاول إقناعهم بزواجنا ، وفي عام 2010 أجبرت عائلتي زوجي على التوقيع على أوراق الطلاق في المحكمة حيث هددوا بإيذاء زوجي وعائلته إن لم يرضخ للأمر ، وقد كانت أوراق الطلاق تنص على أنه طلقني ثلاث طلقات ، ولكنه أخبرني أنه لم يطلقني ، وأنّ فعله ذلك فقط لحمايتي وحماية عائلته من الأذى ، وبعد أن هدأت الأمور ذهب زوجي للمحكمة واعترض على حكم الطلاق محتجاً بقيامه بذلك تحت الإكراه ، ولذلك حكمت المحكمة بعدم وقوع الطلاق ، والسماح لنا بالعيش في منزل واحد ، ولكنّ أهلي لم يعترفوا بقرار المحكمة فهم يصرون على القول بأنني مطلقة ، وقد سببت لي هذه المشاكل الكثير من القلق واحتاج إلى التوجيه والنصيحة وأريد فتوى من عالم سني ، فما قولكم ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا ً :
ذهب جمهور العلماء إلى أن طلاق المكره لا يقع ، وهذا هو الصحيح ، وهو مذهب مالك
والشافعي وأحمد ، وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم .
قال ابن قدامة رحمه الله : " لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ الإمام أَحْمَدَ ،
أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ .
لقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّ اللَّهَ وَضَعَ
عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ ، وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (0 لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد . مَعْنَاهُ : فِي إكْرَاهٍ . لِأَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ انْغَلَقَ عَلَيْهِ
رَأْيُه " .
انتهى من "المغني" (10/350) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يقع طلاق المكره ، والإكراه يحصل إما
بالتهديد ، أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد " .
انتهى من " الاختيارات الفقهية " (ص 366) .
وقال ابن القيم رحمه الله : "وَقَدْ أَفْتَى الصَّحَابَةُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ
الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارِهِ ، فَصَحَّ ذلك عَنْ عمر . وَكَانَ علي لَا يُجِيزُ
طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَقَالَ ثابت الأعرج: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وابن الزبير عَنْ
طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ" انتهى من "إعلام
الموقعين" (5/189) .
فإذا كان الأمر كما ذكرت – من أن عائلتك هددت زوجك بإيذائه وإيذاء عائلته - فهذا
الطلاق لا يقع ، ولا تزال الزوجية قائمة بينكما .
ثانيا :
يحرم على الولي أن يمنع موليته من الزواج برجل كفء لها إذا رضيته .
وفي الوقت ذاته فإن زواج الفتاة بدون إذن أهلها ينطوي على كثير من المشاكل التي
تستمر سنوات ، وقد تستمر إلى نهاية العمر ، ولعل هذا من الأسباب التي من أجلها حكم
النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (لا نكاح إلا بولي) .
ولا يمكننا توجيه نصيحة لك بالاستمرار في هذا الزواج أو عدمه ، لأننا لا نعلم
تفاصيل القضية ، وما هو السبب الذي جعل أهلك يصرون على موقفهم المتشدد طيلة هذه
السنوات حتى وصل الأمر إلى تهديد زوجك .
ولكن نضع أمامك بعض الأمور التي تساعدك في اتخاذ القرار ، فأنت أمامك خياران
أحلاهما مُرٌّ : إما الاستمرار في هذا الزواج ، وهذا يعني أنك قد تخسرين أهلك
وتفسدين ما بينكما من علاقة ، وقد يمتد ذلك إلى الممات ، وإما أن تخسري زوجك بعد كل
هذه السنوات .
ومما يساعدك على الاختيار : طبيعة العلاقة بينك وبين أهلك هل هي مستقرة وودية ولم
يعكر عليها إلا هذه المشكلة فقط ؟! بحيث إذا انتهت المشكلة فقد انتهى كل شيء ، أو
أن العلاقات ليست على ما يرام بقطع النظر عن هذه المشكلة .
وهذا يعني : هل يمكن – إذا وافقت على مفارقة زوجك - أن يعود الحب والمودة
والاستقرار بينك وبين عائلتك أم أن ذلك لن يكون ؟
وأيضا : هل إذا تم الطلاق ستكون أمامك فرصة كبيرة للزواج ، بمثل هذا الزوج أو أحسن
منه ، أم أن الفرصة ستكون ضيقة للغاية ؟
وما هو سبب رفض أهلك بهذه الطريقة المتشددة ؟
وهل هذا الرفض سوف يتكرر مع كل من يتقدم لك أم أنه خاص بهذا الزوج فقط ؟
الإجابة على هذه الأسئلة سوف تساعدك في اتخاذ القرار .
وهذا كله مع استمرارك في محاولة إقناع أهلك وتوسيط من يكون له رأي مسموع عندهم من
عقلاء عائلتك .
وقبل ذلك وبعده عليك بكثرة الدعاء والإلحاح على الله فإنه لا يخيب من رجاه .
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك وأن يلهمك رشدك وأن يلين قلوب عائلتك .
والله أعلم .