الحمد لله.
أما إذا لم يقصد إيقاع الطلاق – كما هو الغالب في مثل هذا الكلام - وإنما أراد أن يلزم نفسه باجتناب أموالك ، فاستعمل لفظ الطلاق لإلزام نفسه بذلك ، وإلا فهو يختارك ولا يريد فراقك ، ولا يجعل المال سببا للانفصال بينكما : ففي هذه الحالة : حكم هذا الكلام حكم اليمين ، فإن أخذ من أموالك فقد حنث في يمينه ، وعليه كفارة يمين ، ولا يقع بذلك الطلاق .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله :
" أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط ؛ فيقول : إن كان كذا فعليّ الطلاق . أو
: فعبيدي أحرار . ونحو ذلك ، فهذا ينظر إلى مقصوده :
فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ، ليس غرضه وقوع هذه الأمور - كمن ليس غرضه وقوع
الطلاق إذا وقع الشرط - فحكمه حكم الحالف ؛ وهو من باب اليمين .
وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور : كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط : مثل
أن يقول لامرأته : إن أبرأتني من صداقك ، فأنت طالق . فتبرئه . .....
فالأصل في هذا أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده :
فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور ، وقعت منجزة ، أو معلقة ، إذا قصد وقوعها عند وقوع
الشرط .
وإن كان مقصوده أن يحلف بها ؛ وهو يكره وقوعها إذا حنث ، وإن وقع الشرط ، فهذا حالف
بها ؛ لا موقع لها ، فيكون قوله من باب اليمين ؛ لا من باب التطليق والنذر .
فالحالف هو الذي يلتزم ما
يكره وقوعه عند المخالفة ، كقوله : إن فعل كذا فأنا يهودي ؛ أو نصراني ، ونسائي
طوالق ، وعبيدي أحرار ، وعليّ المشي إلى بيت الله . فهذا ونحوه يمين ؛ بخلاف من
يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومُطَلِّق ، فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه ،
وكلاهما ملتزم :
لكن هذا الحالف : يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم ...
والموقع : يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم ... فهذا موقع ليس بحالف
.
والفرق بين هذا وهذا ثابت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكابر التابعين
، وعليه دل الكتاب والسنة ، وهو مذهب جمهور العلماء كالشافعي ، وأحمد ، وغيرهما في
تعليق النذر .
وكذلك قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة
، وأم سلمة ، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير واحد من الصحابة ، فيمن
قال : إن فعلت كذا فكل مملوك لي حر . قالوا : " يكفر عن يمينه ، ولا يلزمه العتق ".
هذا مع أن العتق طاعة وقربة ؛ فالطلاق لا يلزمه بطريق الأولى ، كما قال ابن عباس
رضي الله عنهما : الطلاق عن وطر ، والعتق ما ابتغي به وجه الله . ذكره البخاري في
صحيحه .
بين ابن عباس أن الطلاق إنما يقع لمن غرضه أن يوقعه ؛ لا لمن يكره وقوعه ، كالحالف
به ، والمكرَه عليه .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : كل يمين ، وإن عظمت : فكفارتها كفارة
اليمين بالله .
وهذا يتناول جميع الأيمان: من الحلف بالطلاق ، والعتاق ، والنذر ، وغير ذلك .
والقول بأن الحالف بالطلاق لا يلزمه الطلاق : مذهب خلق كثير من السلف والخلف ؛ لكن
فيهم من لا يُلزمه الكفارة : كداود ، وأصحابه . ومنهم من يلزمه كفارة يمين : كطاوس
، وغيره من السلف والخلف " انتهى باختصار من " الفتاوى الكبرى " (3/235) .
والله أعلم .