الحمد لله.
إذا عمل العبد العمل الصالح يقصد به وجه الله ، وجمع إلى ذلك إرادة حسنة الدنيا
المباحة التي لا تخالف القصد الأول ولا تضاده : فلا حرج عليه في ذلك .
قال القرافي رحمه الله في "الفروق" (3/44) :
" وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ [ يعني : في النية] كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ
طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ ، وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ مِنْ الْغَنِيمَةِ :
فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ ، وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ، بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ .
فَفَرْقٌ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُولَ النَّاسُ : إنَّهُ شُجَاعٌ ، أَوْ
لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ إعْطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ : فَهَذَا
وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ .
وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ
جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ ، فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ ،
وَلَا يُقَالُ لِهَذَا رِيَاءٌ .
وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ وَشَرَّك فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ ، بِأَنْ يَكُونَ
جُلُّ مَقْصُودِهِ ، أَوْ كُلُّهُ : السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً ، وَيَكُونَ
الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ ، أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَيَقَعُ تَابِعًا
اتِّفَاقًا : فَهَذَا أَيْضًا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ ، وَلَا يُوجِبُ
إثْمًا وَلَا مَعْصِيَةً .
وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ ، أَوْ لِيَحْصُلَ لَهُ زَوَالُ مَرَضٍ
مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُنَافِيهَا الصِّيَامُ ، وَيَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ
مَقْصُودُهُ ، أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ ، وَالصَّوْمُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ ،
وَأَوْقَعَ الصَّوْمَ مَعَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ : لَا تَقْدَحُ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ
فِي صَوْمِهِ ، بَلْ أَمَرَ بِهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ
فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) أَيْ قَاطِعٌ " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين : حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة : فلا شيء عليه في
ذلك ؛ لأن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْراً ) الطلاق/2 -3 ، وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي .
فإن قيل : من أراد بعمله الدنيا كيف يقال بأنه مخلص ؟
فالجواب : أنه أخلص العبادة ، ولم يرد بها الخلق إطلاقا ؛ فلم يقصد مراءاة الناس
ومدحهم على عبادته ، بل قصد أمرا ماديا من ثمرات العبادة ، فليس كالمرائي الذي
يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ، ويريد أن يمدحوه به .
لكنه بإرادة هذا الأمر المادي : نقص إخلاصه ، فصار معه نوع من الشرك ، وصارت منزلته
دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 209) .
وكل ما يعطيه الله تعالى للعبد : هو من رزق الله الذي يسوقه إليه ، فيشمل ذلك :
الإيمان والعمل الصالح والمال والأولاد والزواج السعيد ... إلخ .
ومن أسباب طلب الرزق : تقوى الله تعالى ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) .
فلا حرج على المسلم أن يتقي الله تعالى ويعبده ، ويحفظ القرآن ويتعلم العلم الشرعي
، ومن جملة مقاصده في ذلك العمل : أن الاستغفار من أسباب الفرج والرزق ، والعمل
الصالح ، من أسباب طيب العيش .
وينظر جواب السؤال رقم : (218048) .
ولا حرج على المرأة أن ترجو لنفسها زوجا صالحا ، وتطلب ذلك وتسعى له ، كما سبق
بيان ذلك في الفتوى رقم : (100703) .
وذهابك إلى المسجد ومخالطتك للصالحات من أسباب حصول هذا ، فلا حرج عليك في فعله .
وقد ذكرت أنك تفرحين إذا تعلمت درسا جديدا أو حديثا جديدا ، وهذا يدل ـ إن شاء
الله ـ على أن تعلمك هو لوجه الله ، ومحبةً في العلم الشرعي .