الحمد لله.
دعوى أن من مات مقتولا يمكن أن يخرج على الناس في المكان الذي قتل فيه ، دعوى فاسدة
، وهي من أمر الجاهلية .
روى البخاري (5707) ، ومسلم (2220) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ
، وَلاَ هَامَةَ ، وَلاَ صَفَرَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ : أَنَّ الْعَرَبَ
كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُولُ : إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُؤْخَذْ
بِثَأْرِهِ : خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِهِ هَامَةٌ ، وَهِيَ دُودَةٌ ، فَتَدُورُ حَوْلَ
قَبْرِهِ فَتَقُولُ : اسْقُونِي ، اسْقُونِي ، فَإِنْ أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ ذَهَبَتْ
، وَإِلَّا بَقِيَتْ ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ :
يَا عَمْرُو إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ
الْهَامَةُ اسْقُونِي
قَالَ : وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَدُورُ حَوْلَ قَبْرِهِ سَبْعَة
أَيَّام ثمَّ تذْهب .
وَذكر ابن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ نَحْوَ الْأَوَّلِ، إِلَّا
أَنَّهُمْ لَمْ يُعَيِّنُوا كَوْنَهَا دُودَةً، بَلْ قَالَ الْقَزَّازُ :
الْهَامَةُ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ ، كَأَنَّهُ يَعْنِي البومة .
وَقَالَ ابن الْأَعْرَابِيِّ : كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَى
بَيْتِ أَحَدِهِمْ ، يَقُولُ : نَعَتَ إِلَيَّ نَفْسِي ، أَوْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
دَارِي .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ
هَامَةً فَتَطِيرُ ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الطَّائِرَ الصَّدَى . فَعَلَى هَذَا ،
فَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ : لَا حَيَاةَ لِهَامَةِ الْمَيِّتِ ، وَعَلَى
الْأَوَّلِ : لَا شُؤْمَ بِالْبُومَةِ وَنَحْوِهَا " انتهى من " فتح الباري "
(10/241) .
فمن مات - بالقتل أو غيره -
خرجت روحه من بدنه ، وذهبت إلى ربها ، فإن كان صاحبها من أهل الإيمان تنعمت روحه ،
وإن كان من أهل الكفران عذبت روحه ، وإن كان من أهل العصيان ، فالله أعلم بحاله ،
فإذا قامت الساعة أعيدت كل روح إلى بدنها ، وبعث الناس ، وقاموا لله رب العالمين ،
ينتظرون فصل القضاء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ " سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا " أَنَّ الْمَيِّتَ ،
إذَا مَاتَ : يَكُونُ فِي نَعِيمٍ ، أَوْ عَذَابٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ
لِرُوحِهِ وَلِبَدَنِهِ ، وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ
مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً ، وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا ،
فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ . ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَتْ الْأَرْوَاحُ إلَى أَجْسَادِهَا ، وَقَامُوا
مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/284) .
فإن تهيأ لبعض الناس أن
القتيل ظهر له في مكان قتله : فهذا من أمر الشيطان ، تبدى له في صورة القتيل ، وزعم
أنه هو ؛ ليلبس على الناس أمر دينهم ، وربما أخبره بأن قاتله فلان ، فيذهب ليخبر
أهله بما رأى ، فتقع الفتنة بين الناس ، ويحصل القتل والفساد في الأرض .
وينظر للفائدة جواب السؤال
رقم : (13183) .
والله أعلم .