الحمد لله.
تعّلم الفقه على مذهب معيّن ، يفرّق أهل العلم فيه بين صورتين :
الصورة الأولى :
دراسة الفقه على مذهب معيّن لأجل اكتساب الملكة الفقهية بأيسر طريق ، ولأجل وفرة
المؤلفات الفقهية المنهجية في كل مذهب ، ووفرة شيوخ المذاهب ، فيأخذ الطالب هذه
الكتب الفقهية المذهبية على أنها وسيلة ، وليس لأنها هي كل الحق الذي لا يجوز خلافه
، بل متى ظهر له في مسألة ما أن السنة الثابتة ، بخلاف قول المذهب الذي يدرسه ترك
قول المذهب ، واتبع الدليل .
فهذا الأمر لا بأس به وليس مذموما ، بل هو طريقة حسنة مشروعة .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :
" شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه [والغالب في هذا المصنف لا سيما في زمن
الذهبي أنه سيكون على مذهب من المذاهب المعروفة] ، فإذا حفظه ، بحثه وطالع الشروح ،
فإن كان ذكيًّا ، فقيه النفس ، ورأى حجج الأئمة ، فليراقب الله ، وليحتط لدينه ،
فإن خير الدين الورع ، ومن ترك الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، والمعصوم من
عصمه الله " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (8 / 90 – 91) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" ولاشك أن الإنسان ينبغي له أن يركز على مذهب معين ، يحفظه ويحفظ أصوله وقواعده ،
لكن لا يعني ذلك أن يلتزم التزامًا تامّاً بما قاله الإمام في هذا المذهب ، كما
يلتزم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه يبني الفقه على هذا ، ويأخذ من
المذاهب الأخرى ما قام الدليل على صحته ، كما هي طريقة الأئمة من أتباع المذاهب
كشيخ الإسلام ابن تيمية ، والنووي وغيرهما حتى يكون قد بنى على أصل ... " انتهى من
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (26 / 176 – 177) .
الصورة الثانية :
أن يغلو الطالب في المذهب الذي يدرسه وذلك :
إما بالغلو في دراسة المذهب ، فيغرق الطالب في متونه طوال عمره ، مكتفيا ، ومستغنيا
بها عن نصوص الكتاب والسنة ، ومعرضا تماما عن التفقه فيهما ، فهذا الأمر مذموم لأن
فيه نوع إعراض عن نصوص الوحي ، متى كان قادرا على الرجوع إليها ، والاستنباط منها
بنفسه .
وإما بغلو الطالب في أقوال المذهب ، فيتمسك بها ، ولو علم أن النصوص الشرعية على
خلافها ، فهذا هو التعصب المذموم الذي حذّر منه أهل العلم ، حتى أئمة هذه المذاهب
أنفسهم. وقد سبق نقل شيء من أقوالهم في هذا في الفتوى رقم : (23280)
.
والله تعالى أعلم .