الإحداث في المدينة النبوية هل يعم كل المعاصي ؟

01-11-2015

السؤال 228704

سمعت أن من أذنب في المدينة المنورة : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، هل يدخل في هذا الوعيد كل معصية صغيرة كانت أم كبيرة ؟

ملخص الجواب:

أن الإحداث في المدينة النبوية يدخل فيه الجرائم والبدع والفتن التي تؤدي إلى إراقة الدماء والتشتت والعداوة والبغضاء بين المسلمين ولا تتناول عموم المعاصي.

الجواب

الحمد لله.

ورد النهي عن ” الإحداث ” في المدينة في عدة أحاديث ؛ منها :
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( المَدِينَةُ … حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا : فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رواه البخاري ( 1867 ) ، ومسلم ( 1366 ) .
وثبت أيضا من حديث علي رضي الله عنه رواه البخاري ( 1870 ) ، ومسلم ( 1370 ) .
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه مسلم ( 1371 ) .

وهذه الأحاديث ـ كما سبق ـ وردت بلفظ ( مَنْ أَحْدَثَ ) ، وليس بلفظ ( من أذنب ) .
وقد ذكر العلماء في معنى ( مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ) عدة أقوال :
القول الأول : أي : من أتى إثما .
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى :
” وقوله : ( من أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً ) : أى أتى إثماً ، أو آوى من أتاه ، وحماه وضمه إليه ، وهو نحو قوله تعالى فى مكة : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ” .
انتهى من ” إكمال المعلم ” ( 4 / 486 ) .

القول الثاني :
ليس المراد منها عموم الإثم ، وإنما إثم خاص ، وهو ما يدل عليه عرف الشارع ، وعرف الناس الذين خاطبهم الشارع في استعمال كلمة ” أحدث حدثا ” .
وهي تتناول أحد أمرين :
الأمر الأول : الظلم والجرائم وإثارة الفتن .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
” والمراد بالحدث والمحدِث : الظلم والظالم ، على ما قيل ، أو ما هو أعم من ذلك ” .
انتهى من ” فتح الباري ” ( 4 / 84 ) .

ومما يستشهد به على هذا المعنى حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ : ” لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ – تَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ – إِلَّا امْرَأَةٌ ، إِنَّهَا لَعِنْدِي تُحَدِّثُ ، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّيُوفِ ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا ، أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ: أَنَا ، قُلْتُ : وَمَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ ، قَالَتْ : فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا … ) .
رواه أبو داود ( 2671 ) وحسّنه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” ( 2671 ) .
وَذُكِر أن هذا الحدث ؛ هو أنها قد قتلت رجلا من الصحابة ، ألقت عليه رحاً .

الأمر الثاني : الابتداع في الدين .
كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري ( 2697 ) ، ومسلم ( 1718 ) .
وكما في الحديث المشهور : ( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ … ) رواه أبو داود ( 4607 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” ( 4607 ).
فالإحداث ، على ذلك ، لا يعم كل الذنوب ؛ وإنما يعم كلِّ إحداثٍ لأمر سيء غير مشروع ، يضر بجماعة المسلمين سواء في دينهم أو في دنياهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وقال: ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .
وإن كان مقصوده ” بالإحداث ” هنا ، أخص من معنى الإحداث بمعنى الفعل ، وإنما مقصوده من أحدث فيها بدعة تخالف ما قد سن وشرع ، ويقال للجرائم : الأحداث ، ولفظ الإحداث يريدون به ابتداء مالم يكن قبل ذلك ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 6 / 328 – 329 ) .

والقول بأنها تعم الجرائم والبدع ولا تتناول عموم المعاصي ، هو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ؛ حيث قال :
” من أحدث فيها أي في المدينة ، ” حدثا أو آوى محدثا ” هنا يراد به شيئان :
الأول: البدعة : فمن ابتدع فيها بدعة ، فقد أحدث فيها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) . فمن أحدث فيها حدثا ، أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله ، في المدينة : فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، يعني استحق أن يلعنه كل لاعن ، والعياذ بالله ، لأن المدينة مدينة السنة ، مدينة النبوة ، فكيف يُحْدَث فيها حدثٌ مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
والنوع الثاني : الفتنة : أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين ، سواء أدت إلى إراقة الدماء ، أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت . فإن من أحدث هذا الحدث : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
أما من أحدث معصية ، عصى الله فيها في المدينة : فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد ، بل يقال : إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها ، ولكن صاحبها لا يستحق اللعن ، وإنما الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين : إما بدعة ، وإما فتنة ، هذا عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” ( 6 / 213 – 214).

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (229869) ، ورقم : (180981) .

أحكام الحرمين
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب