الحمد لله.
وأما الصلاة على الجنازة فجاء في فضلها: ما روى البخاري (1325) ، ومسلم (945) عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ شَهِدَ
الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى
تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ) ، قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟، قَالَ : ( مِثْلُ
الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ)( رواه البخاري (1325) ، ومسلم (945).
وروى مسلم (945) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ
قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ ،
فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو
هُرَيْرَةَ ! أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : ( مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ
تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ
مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ
مِثْلُ أُحُدٍ ) فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا
عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ ،
وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ
حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ ، فَقَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : صَدَقَ أَبُو
هُرَيْرَةَ ، فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ
ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ " .
والقيراط مقدار كبير من الأجر مثَّله النبي صلى الله عليه وسلم بجبل أحد .
والقيراط الذي يحصل بالصلاة ، هل يحصل بالصلاة فقط أم لا بد أن يخرج مع الجنازة من
بيتها؟
قال الحافظ ابن حجر : " وفي رواية خباب عند مسلم : ( من خرج مع جنازة من بيتها )
ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري : ( فمشى معها من أهلها ) ومقتضاه أن القيراط يختص
بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة ، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره .
والذي يظهر لي : أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط ، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة
إليها ، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيّع مثلا وصلى ، ورواية مسلم عن
أبي هريرة بلفظ : ( أصغرهما مثل أحد ) يدل على أن القراريط تتفاوت " .
انتهى من "فتح الباري" (3/ 234).
ثانيا:
السؤال عن المفاضلة بين عملين إنما يكون لوجود المزاحمة بينهما، بحيث لا يمكن إلا
فعل واحد منهما، فيُسأل عن أفضلهما ليؤتى به.
ولا مزاحمة هنا، فمن صلى الفريضة في الصف الأول ، فلن تفوته الصلاة على الجنازة ،
وكذا يمكن العكس.
فلعل السائل أراد معرفة فضل العملين بصفة عامة.
وإذا كان قصد السائل معرفة الأفضل منهما بقطع النظر عن المزاحمة وعدمها : فالذي
يظهر ، والله أعلم : أن صلاة الجنائز ، في نفسها : أفضل وأكثر ثوابا ، من مجرد
فضيلة الصلاة في الصف الأول .
وذلك لأن الصلاة على الجنازة فرض كفاية ، أما الصلاة في الصف الأول فهي سنة مستحبة
، والواجب أفضل من السنة ، لقول الله تعالى في الحديث القدسي : (وَمَا تَقَرَّبَ
إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه) رواه
البخاري (6502) .
ثم إن نفس صلاة الجنازة عبادة مستقلة في نفسها ، وأما الوقوف في الصف الأول : فهو
هيئة من هيئات العبادة ، ومقصود لغيره .
والله أعلم .