الحمد لله.
ومن هنا ذهب المحققون من أهل
العلم إلى تتبع أقوال المتقدمين ومصنفاتهم وتأصيلاتهم وتفريعاتهم ، وإدمان النظر
فيها وتقديمها على مصنفات المتأخرين ومؤلفاتهم .
وفي ذلك يقول الشاطبي رحمه الله ، وهو يدل أهل العلم وطلابه على طرق تحصيل العلم
والرسوخ فيه: "...... والشرط الآخر: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛
فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك : التجربة ، والخبر.
أما التجربة؛ فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما
يبلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري؛ فأعمال المتقدمين -في إصلاح
دنياهم ودينهم- على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد ، فتحقق الصحابة
بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين ، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن
طالع سيرهم، وأقوالهم، وحكاياتهم ؛ أبصر العجب في هذا المعنى" انتهى من الموافقات
(1 / 149).
ولكن ليس معنى هذا : أن ما ذهب إليه أحد العلماء المتقدمين فهو الصواب قطعا، وما ذهب إليه أحد العلماء المتأخرين فهو الخطأ قطعا, ليس الأمر هكذا ، فإن الله سبحانه قد يفتح على بعض أهل العلم المتأخرين في موافقة الدليل الشرعي ، والهداية والاختيار والترجيح من أقوال المتقدمين واختياراتهم ، بل والاستدراك عليهم في بعض المسائل ما يتقدم به على بعض المتقدمين, ومن طالع – على سبيل المثال لا الحصر- مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم فيما مضى ، ومصنفات الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين في زماننا المعاصر : تبين له صحة ذلك .
فالمعول عليه إذن ، في إصابة
الحق والتعرف عليه : إنما هو موافقة الدليل الشرعي من كتاب أو سنة أو قياس صحيح على
نصوصهما المعصومة.
وهذا الذي ذكرنا إنما هو في أهل العلم وطلابه المتخصصين .
أما العوام المقلدون الذين ليسوا من أهل العلم الشرعي فإنهم يقصدون من يثقون به من
أهل العلم فيسألونه ، فما أفتاهم به التزموه وعملوا به, وقد سبق بيان هذا مفصلا في
الفتوى رقم :(148057).
أما المسألة التي سألت عنها ، وهي ما إذا خلع الشخص الخف أو الجورب بعد أن مسح
عليهما : فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم ، وليس القول بهذا
هو من خصائص المتأخرين ، بل سبقهم إليه غير واحد من أهل العلم المتقدمين .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (26343).
والله أعلم .