متابعة تلفزيون الواقع على القنوات المحافظة
هل يجوز للفتيات مشاهدة البرامج الواقعية التي تبثها القنوات المحافظة ، وإذا جائز ، هل هناك ضوابط لمشاهدة تلك البرامج ، مع العلم أن مدة بث هذه النوعية من البرامج تتجاوز العشر ساعات ، وتكون متواصلة ؟
الجواب
الحمد لله.
برامج الواقع كلمة إعلامية مجملة ، يدخل تحتها العديد من أنواع البرامج الفضائية
التي تعرض على الناس اليوم ، وتعرف تعريفا مجملا بأنها البرامج التي "يتم فيها جمع
أفراد من عامة الناس في مكان محدد ، وبيئة محددة ، وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم
الطبيعية ، مع عدم وجود نص مكتوب أو مشهدية (سيناريو) ، وعرضه عرضا مباشرا
للمشاهدين " .
فإذا كان البرنامج الواقعي من جنس البرامج الفضائية النافعة ، التي تشتمل على
المسابقات العلمية والشرعية ، ومنافسات حفظ القرآن الكريم ، ومسامرات العلماء
بالفكر والعلم والذكريات النافعة ، أو البرامج التدريبية القيادية للأطفال والناشئة
، وهي كلها تسمى " واقعية " عند كثير من الإعلاميين - فهذه لا بأس بمشاهدتها
ومتابعتها ، بل لا حرج في الحرص عليها ، والانتفاع بما يرد فيها من حكمة وخبرة
ومعرفة وتجربة .
أما إذا كانت برامج الواقع من جنس البرامج التي تبث لغو المجالس بتمامها ، وما يكون
فيها من أحداث وأحاديث كيفما اتفق ، فتنقل كما هي ، من غير تحرير ولا عناية بالنافع
منها ، ولا ترتيب لإفادة المشاهد ، وإنما لتشغل المشاهد بما ينشغل به هؤلاء الذين
يسلط البث الفضائي عليهم ، على أي حال كانوا عليه - فنحن نربأ بالمسلم أو المسلمة
أن يتابع هذه البرامج تلك الساعات الطوال ، ليضيع عمره ووقته – لا نقول في مباحات
نفسه وعياله -، بل في لغو غيره ، بعجره وبجره ، والله عز وجل يقول : ( قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )المؤمنون/ 1 – 3 .
يقول الإمام الحليمي رحمه الله :
" اللغو : الباطل الذي لا يتصل بفعل صحيح ، ولا يكون لقائله فيه فائدة ، وربما كان
وبالًا عليه ...
فكل ما كان لغوًا : فينبغي أن لا يُشتغل به ...
ويعرض عنه ، فلا يكلم المُلاهي ، ولا يشارك في حديثه ، ولا يجلس عنده فيصغي إليه ،
وإن دعت الضرورة إلى الجلوس عنده ، سكت عنه ، ولم يتلق حديثه منه ... ، وإن أمكن
وعظه وردعه عما هو عليه ، وصرفه إلى ما هو أولى وألزم ، فعل ...
هذا كله وراء الآيات التي كتبناها ، والسنة التي رويناها لوجهين :
أحدهما : إنَّ ترك الإعراض عن اللغو إنما يكون بالإقبال عليه ، والكلام نحو الكلام
، والسمع مستنطق اللسان ، فلا يؤمن أن يكون من المقبل على اللاغي ، والمخالط له ،
مشاركة له ، ومجاراة إياه ، وفي الإعراض أمان منه . فلذلك كان أولى .
والوجه الآخر : إن مجالسة اللاغي والإصغاء إليه تضييع للزمان ، فاغتنامه بإنفاذه في
الحق والجد أولى من تضييعه وشغله بما لا فائدة منه " .
انتهى باختصار من " المنهاج في شعب الإيمان " (3/ 401-402) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذا كان الله تعالى قد مدح وأثنى على من أعرض عن اللغو ، ومر به كريما لم يستمعه
، كيف يكون استماع كل قول ممدوحا ؟!" انتهى من " الاستقامة " (1/ 218) .
وإذا كانت برامج الواقع في القنوات المحافظة ، خالية من المحرمات ؛ من علاقات محرمة
أو معازف أو كشف للعورات - وهو الأمر المفترض فيما يعرض في هذه القنوات - فذلك لا
يعني فتح الباب للاسترسال في مثل هذا النوع من البرامج ، فالمباح شيء ، وما نُخلص
به نصيحتنا لمن يسألنا شيء آخر .
ويتأكد الإعراض عما لا منفعة فيه ، في دين أو دنيا ، في زماننا هذا الذي عظمت فيه
مسؤوليات المسلمين جميعا ، وألحت عليهم واجباتهم ، ولاحقتهم ضرورات الهموم
الإصلاحية والدعوية ، التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم ، في ظل هذا التسارع
الهائل في التغيرات العالمية ، الأمر الذي يقتضي تضحيات عملية من المسلمين ،
بالحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والفكر المتقدم وبناء النفس والجيل ، وهي
هموم كبار تنقطع دون تحقيقها الأعمار لو شغلت بتمامها .
ولهذا فلا ينبغي للمسلم أن يتَقَحَّم أبواب المباح على حساب واجباته وغاياته
السامية في أيامه ولياليه ، والإنسان الحقيقي هو الذي يضن بالدقيقة أن يفرط في
قضائها بعيدا عن مسيرة خطته لحياته ، فكيف بقضاء الساعات الطوال في متابعة ما لا
يعنيه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ
مَا لاَ يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي في " السنن " (رقم/2317)، وصححه الألباني في "
صحيح الترمذي ".
يقول ابن رجب رحمه الله :
" إذا حسُن الإسلام ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات
، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه
، وبلغ إلى درجة الإحسان ... فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو
على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أن يترك كل
ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنه يتولد من هذين المقامين
الاستحياء من الله ، وترك كل ما يستحيا منه ، كما وصى صلى الله عليه وسلم رجلا أن
يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه ، وأكثر ما يراد بترك
ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/289-290) .
ورغم أن الإعلام اعتاد على تسمية هذه البرامج بأنها " واقعية "، إلا أننا نعتقد أن
التسمية الصحيحة لهذه البرامج هي : برامج " الخيال "، أو " الافتراض "، وذلك أن
الأثر الذي تحدثه في قلوب المتابعين هو نفس الأثر الذي تحدثه برامج الخيال فعلا ،
وهو تعليق الناس بأوهام لا حقيقة لها إلا ضمن إطار شاشة التلفاز هذه .
فالبيئة الواقعية ـ بزعمهم ـ التي يحياها أفراد البرنامج : هي بيئة مصطنعة ، وبيئة
مستحدثة لهذا الغرض ، ليست من صميم حياة الناس في مجتمعاتهم الطبيعية ، ولا من جنس
ما يألفون ويحيون.
وعلى فرض انطلاق البرنامج فعلا من واقع الناس وحياتهم ، فإن عرض حياة الأفراد
الطبيعيين على الملأ ، يكسبها نجومية وسحرا لا حقيقة لهما ، فالناس لا يحفلون بحياة
بعضهم للوقوف على جميع تفاصيلها ، ولا ينشغل بمتابعة أدق تفاصيل حياة الناس وواقعهم
إلا الحسود أو الغيران أو الفضولي ، أو نحو هؤلاء من مرضى النفوس والقلوب ؛ فكيف
بنا أن ننقل ذلك كله ، ونغذي أمراض القلوب التي تسري في النفس فتسقمها ، وتزيدها
سقما مثل هذه البرامج التي تسمى " واقعية ".
وإذا اجتمع إلى هذه المفاسد كون المتابعة من قبل الفتاة المسلمة ، أو المرأة
المسلمة ، فقد زادت هنا شرور التعلق المحرم ، وخطر إطلاق البصر الذي أمرت المرأة
بغضه ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِن )النور/ 31 ؛ إلا أن
تكون ثمة حاجة أو فائدة ؛ والواقع أنه لا حاجة في النوع الثاني من برامج " الواقع "
هذه .
ومحاذير اعتياد الكسل والقعود عن الإنجاز والعمل ، كل ذلك كاف لتوضيح نظرتنا إلى
هذه البرامج ، ونصيحتنا التي نخلصها للسائلين عنها .
وللمزيد يرجى النظر في الأرقام الآتية : (134595)
، (91142)،
(128670)
.
والله أعلم .