حكم مهاترة بعض العوام بقولهم: ما لك على ربي؟
نحن نعلم أن سب الله ورسوله كفر أكبر مخرج من الملة ، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وجب قتله بإجماع المسلمين ، هناك أناس يقولون أقوالا ـ والعياذ بالله ـ مثل " ما لَك على ربي ، وأجيت على ربي ، ومالْ ربي عليك" .
فهل يعتبر هذا كفرا أكبر مخرجا من الملة ؟ وهل يعتبر من السب والشتم على الله الذي يوجب القتل في الإسلام إذا كان هناك دولة إسلامية حاكمة ؟
وسؤال آخر يختص بهذا:
من سب الله ورسوله كفر بالله ، والآن يريد التوبة والاستغفار، فهل يجب عليه الاغتسال ؟ وإن لم يغتسل هل يبقى على الكفر ؟ أم أن الغسل يكون واجبا فقط عندما يهتدي كافر إلى الإسلام ؟
الجواب
الحمد لله.
لا تزال آفات اللسان بالمرء حتى تكبه في النار على وجهه ، وقد لا يكون ذلك بسبب
اعتقاد جازم باطل ، ولا بسبب معاملة سيئة مع الناس، وإنما بسبب ضعف الوازع الأدبي
مع الله عز وجل، وخفوت جانب تعظيم الله سبحانه في قلبه وعقله .
ذلك أن إدخال لفظ الجلالة " الله "، أو اسم الربوبية " ربي "، أو " ربنا "، في
مهاترات الناس ومشاحناتهم فيما بينهم ، وكأن الله سبحانه وتعالى شاخص بينهم في هذا
الإسفاف: لا يصدر عن مسلم يعظم الله في قلبه حق التعظيم ، ويشهد له بالكمال والجلال
، يقول عز وجل: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ) الحج/ 74.
والمسلم مطالبٌ بالتأدب مع الله سبحانه وتعالى في ألفاظه أعظم الأدب ، فلا يجمع مع
مشيئته مشيئة أخرى بواو العطف، فلا يقول: ما شاء الله وشئت، رغم عذر التخريج اللغوي
لهذا الجمع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ.
فَلْيَفْصِلْ بَيْنَهُمَا: ثُمَّ شِئْتَ) رواه أحمد في "المسند " (45/ 43) بسند صحيح.
ولا يُقحم اسم الربوبية في تعامله مع سيده ، رغم صحة ذلك لغة أيضا، كما قال عليه
الصلاة والسلام: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ. وَضِّئْ رَبَّكَ. اسْقِ
رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلاَيَ) رواه البخاري (2552) ، ومسلم (2249) .
وكمال التأدب مع الله سبحانه يقضي على المسلم بمراعاة الألفاظ إلى الغاية الممكنة ،
وانتقاء أحسنها وأكملها في الحديث عن الله سبحانه .
ومن باب أولى أن ينزه المرء لفظ "الجلالة" أو "الربوبية" عن لغط القول وارتفاع
الأصوات بينهم، كي لا تهوي به كلمة واحدة في النار من حيث يشعر أو لا يشعر.
وهذه الألفاظ الواردة في السؤال يستعملها بعض العوام - من أهل البلاد التي تقال
فيها - في سياق المغاضبة والتهجم على المخاطَب ، ولكي يَشعرَ المخاطَبُ بعظيم ما
فعله، وشديد ما أغضب مخاصمه منه ، يقحم كلمة "ربي"، يريد أن ما واجهتني به من أذى
وعدوان ، بلغ مني أعظم مبلغ، ونال مني أكبر نوال، فلا يجد ما يعبر عن ذلك سوى
التعبير بكلمة "ربي"؛ لأنها أعظم ما يخص الإنسان، فيقول: ما لَكْ على ربي! أو:
فكأنه يقول له: ما شأنك وشأني! وكأنك تتقصد أذاي في كل شيء، وفي أعظم شيء عندي!
ونحو ذلك من المعاني والسياقات.
ونحوها أيضا: أجيت على ربي! يريدون بها أنك جئت وأصبت كل شأني وأحوالي.
فهي كلمة خاطئة آثمة ولا شك؛ لأن سياقها ليس سياق الأدب والتعظيم، ومستعملوها هم
السوقة من الناس ، لكن توضيح معناها السابق يجعلنا نتوقف في التكفير بها مطلقا، كما
لا نفتي بأنها ليست مكفرة مطلقا .
بل الواجب على مَن جَرَت على لسانه نحو هذه المقولات المتنوعة أن يستفتي أهل العلم
في بلده عن تلك الواقعة ، وما قصده في كلامه ، والسياق الذي أدى به إليه ، كي يتمكن
المفتي من تحديد إن كانت كلمة مكفرة صدرت استهزاء أو سبا وتنقيصا لله سبحانه ، أم
لا.
وفي جميع الأحوال، فإن الاغتسال ليس شرطا من شروط التوبة، سواء التوبة من الردة أو
من كلمة السوء، وإنما هو واجب - في قول المالكية والحنابلة - للمرتد أو الكافر
الأصلي الذي دخل في الإسلام من جديد، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: (46562)
.
ولكن لو لم يغتسل ، وصدقت توبته وإسلامه، فإن الله عز وجل يتقبل منه، ولا يحرمه فضل
التوبة بسبب عدم اغتساله.
نسأل الله تعالى لنا ولجميع المسلمين الهداية لأحسن الأقوال والأعمال، لا يهدي
لأحسنها إلا هو عز وجل.
للتوسع، يرجى النظر في الأرقام الآتية: (42505)،
(178080)،
(166379)
.
والله أعلم.