الحمد لله.
ثانيا :
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كغيره من الناس ، بل كان متميزا عنهم
في كثير من الأشياء التي فضله الله بها ، وخصه بها ؛ قال الحافظ صلاح الدين العلائي
رحمه الله : " كيف ، وقد حماه الله تعالى قبل النبوة ، من كثير من الأشياء المباحة
، التي تنقص من منصب متعاطيها" انتهى من "فتاوى العلائي" (76) .
فمن ذلك :
- أن الله تعالى عصمه قبل الرسالة من السجود للأصنام وعبادتها ، كما كان يصنع قومه
.
- وقد عصمه الله جل جلاله ـ كذلك ـ من شرب الخمر حتى قبل النبوة . قال الحافظ
العلائي رحمه الله : " الذي ينبغي القطع به : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم
يشرب شيئا من الأنبذة المسكرة ، حال إباحتها ، ولا يوجد هذا أصلا منقولا ، بسند
صحيح ، ولا ضعيف .." .
انتهى من "فتاوى العلائي" (75) .
- أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عليه حجر قبل أن يبعث ، فروى مسلم (2277) عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ
أَنْ أُبْعَثَ ؛ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ ) .
- أن جبريل عليه السلام شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو صغير، واستخرج منه حظ
الشيطان .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ
يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ،
فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ
الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ،
ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ
إِلَى أُمِّهِ ، يَعْنِي ظِئْرَهُ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ،
فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ، قَالَ أَنَسٌ : وَقَدْ كُنْتُ أَرى
أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ " رواه مسلم (162) .
- روى البخاري (364) ، ومسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ: " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الحِجَارَةَ
لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ ، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ : يَا ابْنَ
أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الحِجَارَةِ،
قَالَ: فَحَلَّهُ ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ،
فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
وروى أحمد (23800) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، وَذَكَرَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: " فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا
بِحِجَارَةِ الْوَادِي تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا، فَرَفَعُوهَا فِي
السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَضَاقَتْ
عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُ النَّمِرَةَ عَلَى عَاتِقِهِ فَتُرَى
عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةِ، فَنُودِيَ: " يَا مُحَمَّدُ، خَمِّرْ
عَوْرَتَكَ " فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ).
قال محققو المسند : " إسناده قوي " .
وروى الطيالسي في "مسنده" (2781) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نُهِيتُ عَنِ التَّعَرِّي)- وَذَاكَ
قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ " .
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6784) .
- وروى الترمذي (3620) وحسنه، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 24) عَنْ أَبِي
مُوسَى قَالَ:
" خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ ، فَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى
الرَّاهِبِ هَبَطُوا ، فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ ،
وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا
يَلْتَفِتُ ، قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ
حَتَّى جَاءَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هَذَا
يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ:
مَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَمُرَّ
بِشَجَرَةٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا
لِنَبِيٍّ ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي أَسْفَلَ مِنْ
غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ , ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا،
فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ قَالَ: أَرْسِلُوا
إِلَيْهِ ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ ، فَقَالَ: انْظُرُوا
إِلَيْهِ، عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ
قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ
الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ
"
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
- أنه صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فروى البخاري (3) ، ومسلم (160) عن عائشة رضي الله عنها قال : " كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ " .
فكيف يقال بعد ذلك أنه كان
إنسانا عاديا ، كغيره من الناس ؟!
وينظر للفائدة السؤال رقم : (121839) .
والله أعلم.