حكم تصدق الزوجة من مالها الذي وهبه لها زوجها
زوجة لا تعمل ، ويعطيها زوجها شهريا جزءا من المال خاصا بمصاريف الطعام والشراب ، وجزءا آخر خاصا بطلباتها الشخصية ، أو لتشتري به بعض مستلزمات المنزل من أجهزة خفيفة وغيرها ، وقد سألت زوجها عن الجزء الخاص بها وأنها قد تتصدق منه فلم يعترض ، فهل يجوز أن تتصدق بهذا المال عن أحد أقربائها المتوفين ؟ مع العلم أنها تخجل أن تطلب ذلك نصا من زوجها ، مع أنها تظن أنه لن يرفض ، وهل يأخذ هذا المال حكم هبة من الزوج لزوجته بحيث يصبح ملكا لها تتصرف فيه كيفما شاءت حيث أنها لا تعمل وليس لها دخل ؟
الجواب
الحمد لله.
هذا المال الذي يعطيه هذا الزوج لزوجته : هو ـ في الحقيقة ـ ماله ، باق على ملكه ،
وإنما وكلها في الإنفاق منه على نفسها ، ونفقتها واجبة عليه في ماله ، وعلى بيته
أيضا ، ولذلك فهو يعطيها هذا الجزء الخاص من مصروف البيت ، لتشتري منه ما تحتاجه ،
وتشتري منه ـ أيضا ـ ما يحتاجه البيت من الأجهزة الخفيفة ، ونحو ذلك .
وحينئذ ؛ فالذي ننصح به هذه الزوجة أن تحفظ مال زوجها ، وتنفق منه في حاجة بيتها ،
وشراء ما يلزم له ، والإنفاق على نفسها ، وأهل بيتها .
ثم إن أرادت أن تتصدق ، فلا تتصدق من ذلك بشيء إلا بإذن زوجها ، أو بالشيء اليسير
الذي جرى به عرف مثلهم أن يتصدقوا به ، أو ما تعلم ـ من عادة زوجها ـ أنه يأذن فيه
.
وقد ذكرتِ أن زوجك أذن لك في الصدقة بشيء منه ، فلا حرج عليك إن تصدقت عن أحد
أقاربك المتوفين ، ولا يشترط أن يعرف الزوج مصرف الصدقة بالتحديد ، بل يكفي الإذن
العام بالصدقة .
على أن تكون هذه الصدقة بالقدر الذي لا يضر الزوج ولا يؤثر على نفقات البيت .
فإذا التزمت الزوجة بأدب الشرع في ذلك : كان لها أجر ، ولزوجها أجر ، على هذه
الصدقة :
روى البخاري (1440) ، ومسلم (1024) ـ واللفظ له ـ : عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَنْفَقَتِ
الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا ،
وَلَهُ مِثْلُهُ، بِمَا اكْتَسَبَ ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ
مِثْلُ ذَلِكَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
وقد ترجم عليه الإمام البخاري في "صحيحه" : ( بَابُ أَجْرِ المَرْأَةِ إِذَا
تَصَدَّقَتْ، أَوْ أَطْعَمَتْ، مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، غَيْرَ مُفْسِدَةٍ ) .
فقيد الجواز : بالإصلاح ، وعدم إفساد مال زوجها .
وفي ترجمة أخرى : قيده بـ"أمر صاحب المال" ، فقال :
" بَابُ أَجْرِ الخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ " .
وجاءت ترجمة الحديث في "صحيح مسلم" هكذا :
( بَابُ أَجْرِ الْخَازِنِ الْأَمِينِ، وَالْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْ
بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ بِإِذْنِهِ الصَّرِيحِ أَوِ الْعُرْفِيِّ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال ابن العربي : اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها ؛ فمنهم من
أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ، ولا يظهر به النقصان . ومنهم من حمله
على ما إذا أذن الزوج ، ولو بطريق الإجمال . وهو اختيار البخاري ، ولذلك قيد
الترجمة بالأمر به، ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة .
وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه .
ومنهم من قال : المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن : النفقة على عيال صاحب المال ،
في مصالحه ؛ وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت ، بالإنفاق على الفقراء بغير إذن .
" .
انتهى من "فتح الباري" (3/303) .
وإن تميز حقها من هذا المال ، وتميزت بشيء منه لنفسها ، ولم يكن لأجل نفقة يتعلق
بها حق الزوج ، مثل نفقتها على زينتها ، ونحو ذلك ، مما يطلبه الزوج ، ويتعلق به
حقه فإذا تميز حقها على هذا الوجه ، فلها أن تنفق منه ، كيف شاءت ، ولها أن تتصدق
منه ، خاصة إذا علمت أن نفس زوجها تطيب بمثل هذه الصدقة .
ولها أيضا أن تعطي منه أقاربها ، أو تتصدق عمن مات منهم ، من غير أن تصرح بذلك
للزوج .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ كما في الموضع السابق من "فتح الباري" :
" ومنهم من فرق بين المرأة والخادم ، فقال : المرأة لها حق في مال الزوج ، والنظر
في بيتها؛ فجاز لها أن تتصدق ، بخلاف الخادم ، فليس له تصرف في متاع مولاه ، فيشترط
الإذن فيه.
وهو متعقب بأن المرأة : إذا استوفت حقها ، فتصدقت منه : فقد تخصصت به .
وإن تصدقت من غير حقها : رجعت المسألة كما كانت . والله أعلم " انتهى .
فبين أن الرخصة للمرأة ، وإطلاق يدها في الصدقة : إنما يكون فيما يتمحض لها ،
وتتخصص به ، لا فيما كان باقيا على ملك زوجها ، أو تعلق به حقه ، أو حق عياله .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : " يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة عن
أقاربها الأموات لوجه الله سبحانه وتعالى ، وليعود ثوابها ونفعها إليهم ؛ لأنها
تتصرف من مالها ، وهي حرة في مالها في حدود ما شرعه الله ، والصدقة عمل صالح ويصل
ثوابها إلى من تصدق عنه إذا تقبلها الله .
أما أن تتصدق من مال زوجها وهو لا يمنع من ذلك وعرفت من زوجها ذلك ، فلا مانع ، أما
إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز" انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان " .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (48952)
.
على أن الأفضل لها ، والأولى بها : أن تتصدق عن نفسها ، وعن زوجها ، الذي هو صاحب
المال أصالة ، ثم تدعو لأقاربها الموتى ، فهذا أفضل لها من أن تتصدق عنهم .
ولو تصدقت عنهم بالشيء اليسير، أو بين الحين ، والحين : فلا بأس ، إن شاء الله .
والله أعلم .