الحمد لله.
أولا :
قال أبو نعيم الحافظ رحمه الله في " دلائل النبوة " (555):
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَم َ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
" فَكَانَ مِنْ دَلَالَاتِ حَمْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ نَطَقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقَالَتْ: حُمِلَ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ
أَمَانُ الدُّنْيَا وَسِرَاجُ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَبْقَ كَاهِنَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ
وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا ،
وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَة ِ، وَلَمْ يَكُنْ سَرِيرُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ
الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوسًا ، وَالْمَلِكُ مُخْرَسًا لَا يَنْطِقُ
يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَمَرَّتْ وُحُوشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وُحُوشِ الْمَغْرِبِ
بِالْبُشَارَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْبِحَارِ ، يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ فِي
كُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِهِ ، نِدَاءٌ فِي الْأَرْضِ وَنِدَاءٌ فِي السَّمَاءِ:
أَنْ أَبْشِرُوا؛ فَقَدْ آنَ لِأَبِي الْقَاسِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ
مَيْمُونًا مُبَارَكًا .
فَكَانَتْ أُمُّهُ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: أَتَانِي آتٍ حِينَ مَرَّ
بِي مِنْ حَمْلِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَكَزَنِي بِرِجْلِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ:
يَا آمِنَةُ إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْعَالَمِينَ طُرًّا، فَإِذَا
وَلَدْتِيهِ ، فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَاكْتُمِي شَأْنَكِ .
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: لَقَدْ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ ، وَلَمْ
يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ ، ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَ ى، وَإِنِّي لَوَحِيدَةٌ
فِي الْمَنْزِلِ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي طَوَافِهِ ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ
وَجْبَةً شَدِيدَةً ، وَأَمْرًا عَظِيمًا، فَهَالَنِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ يَوْمُ
الِاثْنَيْنِ .
فَرَأَيْتُ كَأَنَّ جَنَاحَ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِي ، فَذَهَبَ
عَنِّي كُلُّ رُعْبٍ ، وَكُلُّ فَزَعٍ وَوَجَعٍ كُنْتُ أَجِدُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتُّ
، فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ ، وَظَنَنْتُهَا لَبَنًا ، وَكُنْتُ عَطْشَى
، فَتَنَاوَلْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَأَضَاءَ مِنِّي نُورٌ عَالٍ .
ثُمَّ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ ، كَأَنَّهُنَّ بَنَاتُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يُحَدِقْنَ بِي ، فَبَيْنَا أَنَا أَعْجَبُ وَأَقُولُ: وَاغَوْثَاهْ ،
مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ بِي هَؤُلَاءِ؟ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ ، وَأَنَا أَسْمَعُ
الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمَ وَأَهْوَل َ، فَإِذَا أَنَا بِدِيبَاجٍ
أَبْيَضَ قَدْ مُدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ:
خُذُوهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ .
قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ وَقَفُوا فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ
أَبَارِيقُ فِضَّةٍ ، وَأَنَا يَرْشَحُ مِنِّي عَرَقٌ كَالْجُمَانِ ، أَطْيَبُ
رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ عَبْدَ
الْمُطَّلِبِ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِّي نَاءٍ، قَالَتْ:
فَرَأَيْتُ قِطْعَةً مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ حَيْثُ لَا أَشْعُرُ،
حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِي، مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ ، وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ
الْيَوَاقِيتِ ، فَكَشَفَ لِي عَنْ بَصَرِي، فَأَبْصَرْتُ سَاعَتِي مَشَارِقَ
الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا , وَرَأَيْتُ ثَلَاثَ أَعْلَامٍ مَضْرُوبَاتٍ : عَلَمٌ
فِي الْمَشْرِقِ , وَعَلَمٌ فِي الْمَغْرِبِ , وَعَلَمٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ،
وَأَخَذَنِي الْمَخَاضُ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ جِدًّا، فَكُنْتُ كَأَنِّي
مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَرْكَانِ النِّسَاءِ ، وَكَثُرْنَ عَلَيَّ ، حَتَّى كَأَنَّ
الْأَيْدِي مَعِي فِي الْبَيْتِ ، وَأَنَا لَا أَرَى شَيْئًا، فَوَلَدْتُ مُحَمَّداً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَطْنِي دُرْتُ ،
فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَنَا بِهُ سَاجِدٌ قَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ
كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ ... "
وقد أورده ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (6/ 298) وسمى شيخ سليمان بن
أحمد - وهو الطبراني -: حفص بن عمرو بْنِ الصَّبَاحِ.
وحفص هذا أورده ابن حبان في " الثقات " (8/ 201) وقال : " رُبمَا أَخطَأ ".
وإن كان اسمه : عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فلم نجد له ترجمة .
ويحيى بن عبد الله هو البابلتي ، وهو ضعيف الحديث ، ضعفه أبو زرعة وغيره.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة تفرد ببعضها، وأثر الضعف على حديثه بين.
وقال أبو حاتم: لا يعتد به.
" ميزان الاعتدال " (4/ 390) .
وشيخه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف أيضا ، قال أبو داود: سُرق لأبي بكر بن أبي مريم
حلي، فأنكر عقله ، وسمعت أحمد يقول: ليس بشيء.
" ميزان الاعتدال " (4/ 498)
ووالد سعيد بن عمرو الأنصاري لم نجد له ترجمة .
فهذا خبر واهٍ .
وقال ابن كثير :
" غريب جدا " .
"البداية والنهاية" (6/ 299) .
وساقه شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/ 77) من طريق أبي نعيم وضعفه
بقوله: "وهو مما تُكلم فيه".
وقال عند قولها : " ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف ، يحدقن بى
فبينا أنا أتعجب وأنا أقول واغوثاه من أين علمن بى؟ " ، قال : " في غير هذه الرواية:
فقلن لي : نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وهؤلاء من الحور العين " انتهى .
وهذا لم نجد له أصلا ، ولعله
من خرافات جهلة الصوفية .
ثانيا :
أما القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة من آسية امرأة فرعون ،
ومريم أم عيسى عليه السلام ، وسارة ، وهاجر: فقول باطل ، فإن سارة زوجة أبيه
إبراهيم الخليل ، وهاجر أم أبيه إسماعيل ـ فهي في مقام أمه ـ ، وهما زوجتا إبراهيم
عليه السلام في الجنة ، فمن قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج منهما في
الجنة فقد قال منكرا من القول وزورا .
وما ورد من الأحاديث: أن الله عز وجل يزوج نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة من
مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون : فلا يصح منها شيء ، وقد
بينا ذلك في جواب السؤال رقم : (111279)
.
والله تعالى أعلم .