الحمد لله.
الثاني: وقف الحديث ، من كلام ابن عمر رضي الله عنهما، وليس من كلام النبي صلى
الله عليه وسلم.
هكذا رواه حماد – وهو ابن سلمة – عن حميد الطويل. كما قال البزار بعد روايته الوجه
المرفوع الأول: "وقد روي عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر موقوفا" انتهى من
"مسند البزار" (12/ 308)
ورواه أيضا هكذا موقوفا يزيد بن هارون عن حميد الطويل. أخرجه ابن أبي شيبة في
"المصنف" (3/270)، وأيضا في (7/461)
ولكن الصحابي المسمى في هذا الموقوف عن (يزيد بن هارون) هو عبدالله بن عمرو، وليس
ابن عمر بن الخطاب.
وقد راجعنا ثلاث طبعات مختلفة، كلها اتفقت أنه ابن عمرو بن العاص.
والذي يترجح ، والله أعلم ، هو أن الحديث موقوف من كلام عبد الله بن عمرو بن
العاص، وليس مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأدلة عديدة:
الدليل الأول:
أن (حماد بن سلمة، ويزيد بن هارون) اللذين وقفا الرواية : أحفظ من سفيان بن حبيب
وأوثق ولا شك، بل إن حماد بن سلمة معدود أنه أثبت الناس في حديث حميد الطويل، كما
في "تهذيب التهذيب" (3/12)، وأما سفيان بن حبيب – فهو وإن وثقه النقاد – إلا أن
بعضهم أشار إلى تفردات له ينبغي أن تحذر، كما قال عثمان بن أبي شيبة: "كان له
أحاديث مناكير". "تهذيب التهذيب" (4/107)
الدليل الثاني:
أن حميدا الطويل – الذي عليه مدار الحديث – معدود في المدلسين، وإشكال تدليسه
أحاديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه مشهور عند المحدثين، ينظر "تهذيب التهذيب"
(3/40)، وقد عده ابن حجر في "الثالثة" من مراتب المدلسين (رقم/71)، وهم "من أكثر من
التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع". وهو هنا لم يصرح
بالتحديث أبدا ، عن بكر بن عبد الله المزني، وإنما رواه بالعنعنة، فيخشى أن يكون
أسقط راويا ضعيفا ، كان يهم فيرفع الحديث في بعض الأحيان، الأمر الذي أدى إلى هذا
الاضطراب في رواية الحديث. بالرفع والوقف، والخلاف بين ابن عمر وابن عمرو.
الدليل الثالث:
أن عبد الله بن عمرو بن العاص وردت عنه العديد من الآثار التي يتحدث فيها عن هدم
البيت، وكلامه هنا أشبه بما ورد عنه.
منها قوله: "وايم الله، لتهدمُنَّه ، أيتُها الأمة مرارا، يرفع عِنْد الثالثة،
فاستمتعوا مِنْهُ مَا استطعتم" انتهى من "تفسير ابن المنذر" (1/295) .
وانظر جواب السؤال رقم: (247118) .
الدليل الرابع:
روي نحو هذا الكلام عن كعب الأحبار، الأمر الذي يشير إلى أصل النقل، وأنه ليس من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (5/138) عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن كعب أنه
قال في الكعبة: تهدمونها أيتها الأمة ثلاث مرات، ثم ترفع في الرابعة، فاستمتعوا
منها.
والتشابه بين الألفاظ يؤكد أن أصلهما واحد عن كعب.
كما أن معمرا قابل حديث ذي السويقتين بكلام كعب الأحبار، كما روى عبد الرزاق
الصنعاني (5/ 136) "عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (في آخر الزمان يظهر ذو السويقتين على الكعبة) - قال:
حسبت أنه قال: فيهدمها .
قال معمر: وبلغني عن بعضهم أن الكعبة تهدم ثلاث مرات، ترفع في الثالثة أو الرابعة،
فاستمتعوا منها.
ولم يُخف معمر ، فيما يظهر والله أعلم ، اسم القائل ، إلا لشكه بمصدر هذا الخبر عن
الإسرائيليات.
الدليل الخامس:
استشكل العلماء هدم الكعبة قبل ذلك مرتين ، وقد ذكروا في التاريخ أكثر من ذلك، بلغ
بها ابن الملقن تسع مرات، معترضا بها على هذا الحديث، الأمر الذي يدل على تعارض
الخبر مع واقع التاريخ، ثم قال ابن الملقن: "ظاهر الحديث الذي أسلفناه أنها هدمت
مرتين فقط، إلاَّ أن يؤول على أن المراد بقوله: (هدم مرتين) إنها ستهدم مرتين، وكذا
وقع بعده صلى الله عليه وسلم" انتهى من " الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (6/ 189)
ومثل هذا التأويل يمكن الاستغناء عنه إذا قيل بوقف الأثر ، أو ضعفه .
الدليل السادس:
أن المحدثين استغربوا الوجه المرفوع، فقال ابن خزيمة: "خبر غريب غريب" هكذا مرتين.