الحمد لله.
فإن كان المسجد قد بني أولا،
وحصل الدفن بعد ذلك، فقد أحسنتم بإخراج القبر منه.
وإن كان القبر قبل المسجد، فكان الواجب هدم المسجد، لأن نبش القبر وإخراجه حينئذ
اعتداء، والأصل تحريم هذا النبش إلا لضرورة ، ولا ضرورة في بناء المسجد ثمّ.
ثانيا:
على فرض أن القبر هو السابق على بناء المسجد ، وقد حصل اعتداء بنبش القبر وإخراجه :
فلم يعد ممكنا تدارك هذا الأمر ؛ فيبقى المسجد على حاله ، وما دام قد خلا من القبور
: جازت الصلاة فيه، كما سبق مبينا في الفتوى رقم: (60003)
.
ثالثا:
إذا اندرست المقبرة وتقادمت ، بحيث غلب على الظن عدم بقاء شيء من آثار الأموات فيها:
جاز الانتفاع بها في البناء والزرع وغير ذلك عند الجمهور، ما لم تكن جعلت وقفا ،
فيلتزم فيها بشرط الواقف.
قال المرداوي رحمه الله: " متى (عُلِم) أن الميت صار ترابا ، قال في الفروع:
ومرادهم (ظُنَّ) أنه صار ترابا ، ولهذا ذكر غير واحد : يعمل بقول أهل الخبرة ؛
فالصحيح من المذهب أنه يجوز دفن غيره فيه.
نقل أبو المعالي : جاز الدفن والزراعة وغير ذلك .
ومراده : إذا لم يخالف شرط واقفه لتعيينه الجهة...
وأما إذا لم يصر ترابا : فالصحيح من المذهب أنه لا يجوز الدفن فيه ؛ نص عليه، ونقل
أبو طالب : تبقى عظامه مكانه ، ويُدفن . اختاره الخلال" انتهى من " الإنصاف "
(2/387).
وقال النووي رحمه الله: " (وأما) نبش القبر : فلا يجوز لغير سبب شرعي ، باتفاق
الأصحاب ، ويجوز بالأسباب الشرعية ، كنحو ما سبق .
ومختصره : أنه يجوز نبش القبر : إذا بَلي الميت ، وصار ترابا ، وحينئذ يجوز دفن
غيره فيه ، ويجوز زرع تلك الأرض ، وبناؤها ، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها ،
باتفاق الأصحاب . وإن كانت عارية ، رجع فيها المُعير .
وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر ، من عظم وغيره .
قال أصحابنا رحمهم الله : ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض ، ويعتمد فيه قول أهل
الخبرة بها" انتهى من "المجموع" (5/303).
والذي يظهر من سؤالك أنه قد
تم نبش القبور قبل بناء المسجد ، لأنك ذكرت أن الدفن عندكم على ظاهر الأرض وليس في
باطنها .
وعلى فرض أنها لم تنبش ، فقد ذكرت أن هذا أقدم مسجد في القرية ، وهذا يعني أنه يغلب
على الظن أنه قد بلي ما بقي من آثار الموتى .
وعلى هذا ؛ فلا حرج من الصلاة في هذا المسجد .
رابعا:
على فرض أن الصلاة لا تصح في هذا المسجد ، على التفصيل السابق ذكره : وكنت قد صليت
فيه جاهلا بوجود القبر ، أو جاهلا بالحكم ، فليس عليك شيء من الإثم ، وليس عليك
أيضا إعادة ما صليت فيه من الصلوات قبل ذلك .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله :
" مسجد بني على قبر والمصلي لا يعلم أن فيه قبراً، أو يعلم ويجهل الحكم، فما حكم
صلاته، سواءً كانت كثيرة أو قليلة؟" .
فأجاب :
" إذا كان لا يعلم أن فيه قبراً : فلا شيء عليه، لقوله تعالى: ( رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة:286].
السائل: وإن كان يعلم أن فيه قبراً ، لكنه يجهل الحكم؟
الجواب: كذلك لو كان يعلم أن فيه قبراً ويجهل الحكم لا شيء عليه؛ لأن هذا فَعَلَ
محرماً جاهلاً، وفعل المحرم إذا كان عن جهل لا يؤثر.
السائل: هل إذا كان المسجد مبنياً على قبر، أو قبر أدخل المسجد على حد سواء؟
الجواب: لا، إذا بني المسجد على قبر وجب هدمه، ولا تصح الصلاة فيه .
وإذا دفن أحدٌ في المسجد : لم يجب هدم المسجد ، وإنما يجب نبش القبر ودفنه مع الناس،
ثم الصلاة في هذا المسجد صحيحة، لكن لا يجعل القبر بينه وبين القبلة."
انتهى من لقاء "الباب المفتوح" (234/27) ترقيم الشاملة .
وسئل أيضا عن رجل صلى في مسجد به قبر ولم يعلم إلا بعد الصلاة ، فهل يعيد الصلاة
مرة أخرى ؟
فأجاب : "لا يعيد الصلاة مرة أخرى " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/2) الشاملة
.
لكن هذا كما قلنا : على افتراض أن القبور لم تكن قد نبشت تماما ، ثم إنها لم تبل بعد هذه المدة من بنائه .
والله أعلم.