الحمد لله.
أولاً :
الذي عليه أكثر أهل العلم : أن التسليم من صلاة الجنازة مرةً واحدةً عن اليمين .
قال ابن عبد البر: " فَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ :
عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ".
انتهى من "الاستذكار" (3/32) .
وقال ابن قدامة: "التَّسْلِيمُ عَلَى الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، عَنْ
سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم... وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ
مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا .
قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ [ أي النخعي ] "
انتهى من "المغني" (3/418) .
و " قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قِيلَ لأبي عبد الله [يعني : الإمام أحمد] :
أَتَعْرِفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى
الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَتَيْنِ ؟
قَالَ: لَا ، وَلَكِنْ عَنْ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا
يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ، خَفِيفَةً عَنْ يَمِينِهِ ، فَذَكَرَ ابْنَ
عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ ، وَوَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ ،
وَابْنَ أَبِي أَوْفَى ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ.
وَزَادَ البيهقي : عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ،
وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف ، فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ" انتهى من "زاد المعاد" (1/490).
وقد ذكر هذه الآثار بأسانيدها ابن أبي شيبة في "المصنف".
وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري : " والتسليمة الواحدة على الجنازة ؛ قد صحت
الرواية فيه عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد
الله بن أبي أوفى ، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمة واحدة ".
انتهى من "المستدرك على الصحيحين" (1/479).
وقال الشيخ ابن باز : " هذا هو السنة ، تسليمة واحدة ، هذا هو الثابت عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم تسليمة واحدة عن اليمين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب"
(14/19).
ثانياً :
ذهب بعض العلماء إلى أن السنة في صلاة الجنازة أن يسلم تسليمتين ، كما هو الحال في
الفرائض والنوافل ، وهو مذهب الحنفية والشافعية. ينظر: " المبسوط " (2/65) ، "المجموع"
(5/240).
واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود : ( ثَلاَثُ خِلاَلٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم يَفْعَلُهُنَّ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ ، إِحْدَاهُنَّ : التَّسْلِيمُ
عَلَى الْجَنَازَةِ مِثْلَ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلاَةِ ).
رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/43) ، وقال النووي في "الخلاصة" (2/982) : "إسناده
جيد" ، وقال الذهبي في "المهذب" (3/1387) : "إسناده صالح" ، وحسنه الألباني في "أحكام
الجنائز".
وهذا الحديث ليس صريحاً في التسليمتين ، فيحتمل أن يكون المراد بالتشبيه أصل السلام
، أي أنه كان يسلم في الجنازة ، كما كان يسلم في الصلاة.
أو أن المراد أنه كان يقول : السلام عليكم ورحمة الله ، كما هو الحال في الصلاة .
أو أنه مثل تسليم الصلاة من حيث الجهر.
وفي حمله على أحد هذه الاحتمالات يكون موافقاً لآثار الصحابة في التسليمة الواحدة ،
وحمله على ما يوافق ما جرى عليه عملهم ، أولى من حمله على ما يخالف ذلك .
والقول بالتسليمتين ورد عن بعض السلف ، " ففي المصنف بسند جيد عن جابر بن زيد ،
والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، أنهم كانوا يسلمون تسليمتين ".
انتهى من "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (12/408).
واختار الشيخ الألباني جواز كلا الأمرين.
وقال ابن المنذر : " تَسْلِيمَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ ...؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُمْ أَعْلَمُ
بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُمُ الَّذِينَ حَضَرُوا صَلَاةَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَفِظُوا عَنْهُ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ
منْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْهُمْ : أنَّ التَّسْلِيمَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ،
وَقَدِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَكُونُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
خَارِجًا مِنَ الصَّلَاةِ ".
انتهى من "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/448).
ثالثاً :
من صلى وراء إمام يسلم تسليمتين على الجنازة ، فالمشروع له أن يتابعه على ذلك ؛ لأن
التسليمة الثانية محل خلاف معتبر بين العلماء ، كما سبق بيانه ، والسنة متابعة
الإمام ، وعدم الخلاف عليه .
قال البهوتي : " وَيَجُوزُ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ يَسَارِهِ ... وَيُتَابِعَ
الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ ".
انتهى من "كشاف القناع" (4/140).
وسئل الشيخ ابن عثيمين : " رأيت في إحدى الدول الإسلامية في صلاة الجنازة أن الإمام
يسلم تسليمتين هل هذا له أصل؟
فقال : " أما التسليم مرتين في صلاة الجنازة فقد ذهب إليه بعض أهل العلم، ولا حرج
أن يسلم الإنسان مرتين" انتهى من "مجموع الفتاوى " (17/130).
وقال أيضاً : " التسليم في صلاة الجنازة عن اليمين فقط ، ولكنه إذا سلم عن اليمين
وعن الشمال فلا حرج ؛ لأن الأمر في ذلك واسع ، وقد روي في ذلك عن النبي صلى الله
عليه وسلم أثر أنه كان يسلم عن يساره أيضاً" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (9/2،
بترقيم الشاملة آليا).
وإن اقتصر على تسليمة واحدة
: فلا بأس ؛ لأن هذا لا يخل بالمتابعة ، وخاصة أن التسليمة الأولى يخرج بها المصلي
من الصلاة باتفاق العلماء.
وقال ابن مفلح : " وهل يتابع الإمام في التسليمة الثانية؟ يتوجه ، كَالْقُنُوتِ فِي
الْفَجْرِ، وَفِي الْفُصُولِ: يَتْبَعُهُ فِي الْقُنُوتِ ، قَالَ: وَكَذَا فِي
كُلِّ شَيْءٍ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ".
انتهى من "الفروع" (3/339).
وعلَّق عليه المرداوي رحمه الله باختياره عدم المتابعة في التسليمة الثانية فقال :
"الصَّوَابُ هُنَا [ عدم ] الْمُتَابَعَة وَإِنْ قُلْنَا يُتَابِعُهُ فِي
الْقُنُوتِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ هُنَا قَدْ فرغت بالتسليمة الأولى".
انتهى من "تصحيح الفروع" (3/339).