الحمد لله.
وإذا نظرنا إلى هذه المصانع وجدنا ما فيه مصالح أعظم مما فيها من مفاسد لما يلي
:
1- أن هذه المصانع ومحطات توليد الكهرباء إذا تم إيقافها فسوق تشق الحياة على الناس
مشقة عظيمة ، ويقعون في حرج شديد ، ومثل هذا لا يحرمه الشرع ولا يأمر بإيقافه ، قال
الله تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج /78.
2- أن المسلمين لو فعلوا ذلك لما استطاعوا أن يحاربوا أعداءهم ، ولا أن يدافعوا عن
أنفسهم ، وسيعودون إلى السيوف والحراب ! في الوقت الذي مع عدوهم أحدث الأسلحة
وأشدها فتكا ! وقد أمر الله تعالى المسلمين بالأخذ بأسباب القوة وإعداد القوى
لإرهاب الأعداء .
قال الله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) الأنفال
/60 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" ( مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية
والبدنية وأنواع الأسلحة ، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم ، فدخل في ذلك أنواع
الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة ...
ومن ذلك : الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال ، ولهذا قال تعالى: (
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) وهذه
العلة موجودة فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علته .
فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها ، كالسيارات البرية والهوائية ، المعدة للقتال
التي تكون النكاية فيها أشد ، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ... "
.
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 324 - 325) .
3- أن امتناع دولة أو دولتين ، أو حتى كل الدول الإسلامية مجتمعة عن كل هذه
الصناعات لن يؤثر في التخفيف من هذه المخاطر شيئا يُذكر ، فإن الدول الصناعية
الكبرى هي المسئولة بالدرجة الأولى عن انبعاث الغازات المسببة لهذه الظاهرة .
فتقول بعض التقارير :
إن دول أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية مسئولة عن 66% من غاز ثاني أكسيد الكربون
المنبعث في الجو ، مع أنهم يمثلون أقل من 15 % من سكان العالم .
والولايات المتحدة الأمريكية التي لا يزيد سكانها عن 5% من سكان العالم مسئولة عن
حوالي 25% من الغازات المنبعثة في الأجواء العالمية .
أي أن أقل من 20% من سكان العالم يطلقون أكثر من 91% من تلك الغازات ، ثم تنتشر هذه
الغازات في الغلاف الجوي ليعاني منها من أطلقها ، ومن لم يطلقها على حد سواء .
وتقول التقارير : إن الولايات المتحدة الأمريكية بها نحو 130 مليون سيارة ، ينبعث
منها غاز ثاني أكسيد الكربون ما يعادل كل ما ينبعث من الاقتصاد الياباني بالكامل ،
وقد امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية من التوقيع على معاهدة "كيوتا" لخفض
الانبعاثات الغازية في العالم .
فإذا ما أضفنا إلى ذلك سائر الدول الصناعية ، لاسيما تلك الدول التي تستخدم الطاقة
النووية كالصين والهند ، يتبين أن هذه الدول هي المسئولة عن هذه الظاهرة ، وأن
الدول الفقيرة مجتمعة ليس لها تأثير يذكر في تفاقم هذه المشكلة ، ومع ذلك فهي أكثر
الدول معاناة من آثارها ، لضعف إمكاناتها المادية ، وخدماتها الطبية .. إلخ .
4- أن المفاسد والأضرار المترتبة على هذه الظاهرة ، يمكن الحد منها وتقليلها ، وذلك
بتقليل انبعاث الغازات المسببة لهذه الظاهرة ، ثم تنقية الجو مما انبعث منها ،
واختيار بين الأمثل فالأمثل من البدائل الواقعية المتاحة ، والمبالغة في الالتزام
بالتدابير الوقائية ، وشروط الأمن والسلامة الممكنة ؛ حتى تبقى في المعدلات التي لا
تمثل خطرا ، أو في أدنى معدل ممكن لها .
ولكن ذلك كله يحتاج إلى جهود دولية ، ومزيد من الأبحاث والأموال اللازمة لذلك .
وانظر : مقال للدكتور المهندس يوسف الإبراهيم بعنوان : "الاحتباس الحراري والكوارث
الناجمة عنه" .
والله أعلم .