الحمد لله.
والواجب في الوصية أن تكون من باب المعروف وليس بقصد الإضرار بالورثة .
قال الله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ
وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا
وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء /12 – 14 .
فإن ظهر من الموصِي أنه قصد الإضرار بالورثة ( والمراد بالإضرار : حرمانهم من
هذا المال الذي قسمه الله لهم في ميراثهم ) فإنها تكون وصية باطلة مردودة .
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى :
" والإضرار منه ما حدده الشرع ، وهو أن يتجاوز الموصي بوصيته ثلث ماله ، وقد حدده
النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لسعد بن أبي وقاص ( الثلث والثلث كثير ) .
ومنه ما يحصل بقصد الموصي بوصيته الإضرار بالوارث ، ولا يقصد القربة بوصيته ، وهذا
هو المراد من قوله تعالى: (غَيْرَ مُضَارٍّ).
ولما كانت نية الموصي وقصده الإضرار لا يطلع عليه فهو موكول لدينه وخشية ربه ، فإن
ظهر ما يدل على قصده الإضرار دلالة واضحة ، فالوجه أن تكون تلك الوصية باطلة ، لأن
قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) نهي عن الإضرار ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه " .
انتهى من " التحرير والتنوير " (4 / 266) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" ومنها قوله سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ
مُضَارٍّ) ، فإن الله سبحانه إنما قدم على الميراث وصية من لم يضار الورثة بها .
فإذا وصى ضرارا كان ذلك حراما ، وكان للورثة إبطاله ، وحرم على الموصى له أخذه بدون
رضاهم ، ولذلك قال بعد ذلك: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ) إلى قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا) ....
الضرار نوعان : حيف ، وإثم ، فإنه قد يقصد مضارتهم ، وهو الإثم ، وقد يضارهم من غير
قصد ، وهو الحيف ؛ فمتى أوصى بزيادة على الثلث فهو مضار ، قصد أو لم يقصد . فترد
هذه الوصية.
وإن وصى بدونه ، ولم يعلم أنه قصد الضرار : فيمضيها .
فإن علم الموصى له أنما أوصى له ضرارا ، لم يحل له الأخذ .
ولو اعترف الموصي : أني إنما أوصيت ضرارا ، لم تجز إعانته على إمضاء هذه الوصية ،
ووجب ردها في مقتضى هذه الآية " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (6 / 55) .