الحمد لله.
وهذه المسألة اجتمع فيها المباشر –وهو السائق فإنه انحرف بنفسه- والمتسبب، والأصل تضمين المباشر، لكن يضمن المتسبب إن كان متعديا ولم يتعد المباشر.
ومن كلام الفقهاء في تضمين
المتسبب مما هو قريب من مسألتنا:
قال في "زاد المستقنع" : ( وإن ربط دابة بطريق ضيق ، فعثر به إنسان : ضمن ).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا ربط دابة بطريق ضيق ، فعثر بها إنسان
وانكسر ، أو هلك : فعليه الضمان ؛ لأنه متعد في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعلم من كلام المؤلف: أنه لو ربطها بطريق واسع : فلا ضمان عليه .
وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة ، فإن ربطها في طريق المارة ، فهو كما لو
ربطها في طريق ضيق : عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع ، وإن كان مطرق الناس ـ في وسطه مثلا ـ فإن الإنسان
يستطيع أن ينحرف يمينا أو شمالا.
قلنا: لنسأل هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع ـ في مطرق الناس ـ معتد
أو غير معتد؟
الجواب: معتد، وإذا كان معتديا فهو ظالم، وقد قال الله تعالى: (إنما السبيل على
الذين يظلمون الناس) [الشورى: 42] .
نعم لو ربطها في طريق واسع في أحد جوانبه فلا ضمان" انتهى من " الشرح الممتع"
(10/200).
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : " فقوله: (ومن ربط دابته في طريق ضيق فعثر به إنسان) هنا اجتماع السببية والمباشرة ، فصحيح أن العثر وقع بمشي الشخص ، وهو الذي باشر المشي في هذا الموضع ، فسقط، لكن وجود هذه الدابة وهذا الحبل ، في هذا الموضع ، على هذا الوجه : موجب للضمان" .
وقال: "ينبغي أن يعلم أن
هناك ثلاثة أمور لا بد من توفرها في الضمان، وهذه الثلاثة الأمور كالآتي:
أولاً: وجود الاعتداء.
وثانياً: أن يترتب على الاعتداء ضرر.
وثالثاً: أن توجد سببية تربط بين الاعتداء وبين الضرر" انتهى من "شرح زاد المستقنع
".
وقال في "كشاف القناع" (6/ 10) في تصادم الأشخاص: " ( وإن كان أحدهما يسير والآخر
واقفا ) أو قاعدا ( فعلى عاقلة السائر دية الواقف ) والقاعد ؛ لأنه قتيل خطأ (
وعليه ) أي السائر ( ضمان دابته ) ، أي دابة الواقف أو القاعد ، لأن العاقلة لا
تحملها ( فإن مات الصادم أو ) تلفت ( دابته : فهدر ) ، لأنه لم يجن عليه أحد ، بل
هو الجاني على نفسه . ( وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه ، فهما كالسائرين )
، على ما سبق تفصيله.
هذا كله إذا وقف أو قعد في طريق واسع ( فإن كان الواقف ) يعني غير السائر ( في طريق
ضيق غير مملوك له ) حال كونه ( قاعدا أو واقفا ، فلا ضمان فيه ) لأن السائر لم يتعد
عليه، بل القاعد والواقف هو المتعدي" انتهى.
وصدر عن مجمع الفقه الإسلامي
في مؤتمره الثامن المنعقد في ( بروناي دار السلام ) سنة 1414هـ الموافق 1993م قرار
بخصوص حوادث السير ومما جاء فيه:
" الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في
الشريعة الإسلامية ، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ ، والسائق مسؤول عما يحدثه
بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال ، إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ، ولا
يعفى من المسؤولية إلا في الحالات التالية :
أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها ، وتعذر عليه الاحتراز منها ،
وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان .
ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة .
ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه ، فيتحمل الغير المسؤولية ... "
" ثالثاً : ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها ، إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء .
رابعاً : إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر ، كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال .
خامساً :
أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ، ولو لم يكن متعدياً،
وأما المتسبب : فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرّطاً .
ب - إذا اجتمع المباشر مع المتسبب : كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب ؛ إلا
إذا كان المتسبب متعدياً ، والمباشر غير متعدّ .
ج - إذا اجتمع سببان مختلفان ، كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من
المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر .
وإذا استويا ، أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما : فالتبعة عليهما على السواء".
انتهى من " مجلة المجمع الفقهي" العدد الثامن ، الجزء الثاني ص 372