الحمد لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف
والاتباع لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه
المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد والنتائج التي
تحصل : لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما ،
وقد يكون مكروها ، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس ...
ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد
العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو
متعد " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /510-511).
وقال القاضي عياض رحمه الله : " أذن الله في دعائه ، وعلَّم الدعاءَ في كتابه
لخليقته ، وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاءَ لأمَّته ، واجتمعت فيه ثلاثةُ
أشياء : العلمُ بالتوحيد ، والعلم باللغة ، والنصيحة للأمَّة ، فلا ينبغي لأحدٍ أن
يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم ، وقد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام ،
فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم " انتهى من "الفتوحات الربانية" لابن علان (1/17) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" فيما ثبت في الوحيين من الأدعية والأذكار غنية عن الأدعية والأذكار المخترعة " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة"(1 / 53) .
وقد ورد في هذا الدعاء المذكور بعض العبارات المسجوعة سجعا متكلفًا ، وذلك مذموم في
الدعاء ، مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، روى أبو يعلى (4475) بسند صحيح
عَنْ مَسْرُوقٍ ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلسَّائِبِ: " إِيَّاكَ وَالسَّجْعَ ،
لَا تَسْجَعْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ
لَا يَسْجَعُونَ ".
وترجم البخاري في صحيحه (8/ 74):
" بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ "
ثم روى (6337) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " انْظُرِ السَّجْعَ
مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ " ـ يَعْنِي لاَ
يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ ـ .
قال ابن بطال رحمه الله:
" إنما نهى عن السجع فى الدعاء ، والله أعلم ؛ لأن طلب السجع فيه تكلف ومشقة ، وذلك
مانع من الخشوع وإخلاص التضرع لله تعالى ، وقد جاء فى الحديث: (إن الله لا يقبل من
قلب غافلٍ لاهٍ) وطالب السجع فى دعائه ، همته في تزويق الكلام وسجعه، ومن شغل فكره
وكد خاطره بتكلفه، فقلبه عن الخشوع غافل لاه " انتهى من " شرح صحيح البخارى " (10/
97)
وهذا كقوله فيه :
" بسم الله طريقي ، والرحمن رفيقي ، والرحيم يحرسني ، من كل شيء يلمسني "
وكقوله :
" اللهم يا مسهل الشديد ، ويا ملين الحديد ، ويا منجز الوعيد ".
مع أن قوله : "يا منجز الوعيد" غير صحيح ، وإنما يقال : "منجز الوعد" والفرق بينهما
: أن الوعد يكون في الخير ، والوعيد يكون في الشر والعقاب . كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم يوم بدر : ( اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ آتِ مَا
وَعَدْتَنِي ) رواه مسلم (1763)
والعرب لا تعدّ إخلاف الوعيد ذما ، بل جودا وكرما ، كما قال الشاعر:
وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ
مَوْعِدِي
يراجع : " مدارج السالكين " (1/ 400) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (215106) .
وبالجملة :
فمثل هذه الأدعية لا تنشر ، ولا ينصح الناس بالتزامها وتعاهدها وحفظها والدعاء بها
، وإنما يُنصح الناس بذلك في أدعية الكتاب والسنة .
وبعض الدعاء الوارد في السؤال قد وردت به السنة ، وهو قوله : " اللهم إني عبدك ابن
عبدك ابن أمتك ... " إلى قوله " وجلاء حزني وذهاب همي " فهذا معروف في السنة من
أدعية الهم والكرب ، رواه الإمام أحمد (3712) ، وصححه الألباني في " الصحيحة "
(199) .
فمثل هذا يُنصح به ويدعى إليه وينشر بين الناس .
وأما قول ناشر هذا الدعاء ، أو مخترعه : إن أبواب السماء مفتوحة .. ، يعني لهذا
الدعاء المتكلف فهو من القول على الله بغير علم ، وادعاء أمر من الغيب ، لا يعلمه
إلا رب العالمين ؛ وقد حذر الله عباده أن يقولوا عليه بغير علم ، أو يتكلم بأمر ،
من غير حجة ولا برهان .
قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .
وقال تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 .
والله تعالى أعلم .