الحمد لله.
ثانيا:
نحمد الله أنك من أهل الاستقامة ، وأن سفرك لحاجة عدم وجود هذا التخصص في بلدك ،
ونوصيك بما يلي:
1-أن تحرص على الرفقة الصالحة ، وإيجاد المحضن التربوي ، من خلال انتقاء بعض
الزملاء، والسعي لإقامة الدروس والبرامج الدعوية، وأداء الصلوات جماعة، والبحث عن
فاضل صالح يتولى الإشراف عليكم ومتابعتكم، فإن الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب
من الغنم القاصية.
روى أحمد (21203) ، وأبو داود (547) ، والنسائي (847) من حديث أبي الدرداء قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ
لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ
فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ).
قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ : " يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلَاةَ فِي
الْجَمَاعَةِ" . والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
فوجود الرفقة التي تعين على الخير وتذكّر به ، ويستحي منها الإنسان أن يُرى على ما
لا يليق، أمر في غاية الأهمية للمبتعث .
2-شغل الوقت بما ينفع في الدين والدنيا، من حفظ القرآن الكريم ، وتلقي العلم، وتعلم
لغة القوم، فإن الفراغ رأس الشر وأسه بالنسبة للشباب، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة
شغلتك بالمعصية.
3-البحث عن المراكز الإسلامية القريبة، والتواصل مع المسلمين هناك، والمشاركة في
الأعمال الصالحة الممكنة ، فإن ذلك مما يزيد الإيمان، وبزيادته تكون العصمة من
الشهوات والانحرافات.
4-التواصل مع إخوانك ومشايخك في بلدك ، وعدم الانقطاع عنهم ، والمشاركة فيما تقدر
عليه من البرامج الدعوية عبر الإنترنت وغيره ، ليكون ذلك زادا يقوى به إيمانك،
وتنتفع به في غربتك.
5-اللجوء إلى الله تعالى والاعتصام به، وسؤاله الوقاية من الفتن، فإنه لا عاصم منها
إلا هو سبحانه.
6-أن تتزوج متى أمكنك ذلك ، ولا تؤخر ذلك حتى تنتهي من دراستك أو تعود إلى بلدك ،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستطيع من الشباب أن يتزوج فقال: (يَا مَعْشَرَ
الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ منكم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ
لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) رواه البخاري ( 5065) ، ومسلم ( 1400) .
7-الحرص على طيب المطعم والمشرب ، فإن لذلك أثرا في صلاح القلب واستقامته.
8-الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الاستطاعة ، فإن ذلك
من أعظم أسباب الثبات على الحق ، والمرء إذا لم يدع غيره ، جاءه من يدعوه غالبا،
وانشغال الإنسان بالدعوة ، وسلوكه سلوك الدعاة ، يحول بينه وبين منكرات وأفعال قد
يقع فيها غيره.
9-استشعار مراقبة الله تعالى، والحياء منه أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك،
فمهما دعتك نفسك للمعصية ، فتذكر أن الله رقيب عليك ، وإذا كنت تستحي من إخوانك أن
يروك على معصية ، فإن الله أحق أن يستحيى منه.
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ : " أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ : ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .
رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، والبيهقي في " شعب الأيمان " ( 6 / 145 )
والطبراني في " المعجم الكبير " ( 7738 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (741).
قال المناوي رحمه الله : "(أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من
قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان، إذ لا
أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات
والفضل؛ أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من
ربه ، استحياءه من رجل صالح من قومه: تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة، والباطنة . فيا
لها مِن وصية ما أبلغها، وموعظة ما أجمعها" انتهى من " فيض القدير " ( 3 / 74 ) .
فراقب الله تعالى ، واعلم أن
جوارح العبد تشهد عليه ، والأرض التي هو عليها تشهد كذلك ، والملائكة المكرمون
يحصون الأعمال ويصعدون بها إلى الله ، فاحرص ألا يصعد منك إلا الطيب.
هذا ما نوصيك به ، ونسأل الله أن يحفظك بحفظه، ويكلأك برعايته.
والله أعلم.