الحمد لله.
وقال في "الإنصاف" (11/109):
" قوله: "وإن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع ، إلا أن يشترطه". يعني : أو
ينويه. وهذا المذهب، نص عليه" انتهى.
وهذا يدل على أن النية تقيد
النذر ، وتؤثر فيه.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة"
(23/293): " س: بدأت العمل منذ ثلاثة شهور، وحين بدأت العمل نذرت لله تعالى بيني
وبين نفسي إن وفقني الله في العمل سأخرج من راتبي مبلغ 500 ريال شهريا لوجه الله
لمدة عشرة شهور ابتداء من مرتب الشهر الثالث، وكان في ذهني في ذلك الوقت أن أنفق
هذا المبلغ في عمارة المساجد، أو شراء وطبع بعض الكتب المفيدة وتوزيعها على أن يكون
ذلك في مسقط رأسي بمصر...
الجواب: يجب عليك الوفاء بالنذر الذي نذرته حسب نيتك ؛ لأنه نذر طاعة، وقد ثبت أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) ، وقال عليه الصلاة
والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد
الله بن باز" انتهى.
وفي وجوب الفور في تنفيذ
النذر المعلق على شرط، عند حصوله: قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا وجد الشرط
المذكور ، وهو خفة الألم : فالواجب عليك الوفاء بالنذر فوراً.." .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/166).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " النذر قسمان قسم مطلق وقسم معلق، فالمطلق أن
يقول الناذر: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فيجب عليه أن يبادر بالصوم؛ لأن
الأصل في الواجب أنه على الفور.
وقسم آخر معلق، مثل أن يقول: إن رد الله علي ما ضاع مني ، فلله علي نذر أن أصوم
ثلاثة أيام، فمتى رد الله عليه ما ضاع منه ، ولو بعد سنة أو سنتين أو أكثر : وجب
عليه أن يصوم ثلاثة أيام من حين أن يرد الله عليه ذلك " انتهى من "فتاوى نور على
الدرب".
وعليه ؛ فيلزمك التبرع بأول راتب بعد استمرارك في العمل، ولا يجوز تأخير ذلك .
ثالثا:
إن كان التبرع بالراتب جملة يترتب عليه ضرر ظاهر لك ولمن تعول، فإنك تخرج ما تقدر
عليه، ويكون الباقي دينا عليك تخرجه متى قدرت؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار.
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " امرأة نذرت إن شفاها الله أن تذبح ناقتين
جميعاً بوقت واحد ، فشفاها الله ، وهي الآن فقيرة لا تستطيع الوفاء بنذرها .
الجواب : الحمد لله . هذا من نذر التبرر المعلق على شفائها . وحيث شفاها الله
فيلزمها الوفاء بنذرها ؛ لحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي
الله فلا يعصه).
فإن كانت فقيرة ، فتبقى الناقتين في ذمتها حتى يغنيها الله من فضله، ثم يلزمها
الوفاء بالنذر ، كدين الآدمي" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ"
(12/251).
وجاء في "فتاوى اللجنة
الدائمة" (23/254): " س: إنها نذرت إن نجحت العملية التي ستجرى لها أن تصوم من كل
شهر خمسة أيام ، ونجحت العملية، وأخذت في الصوم إلى شهر ربيع ثاني 98 هـ ، وأنها
عاجزة عن الصوم، وقد لا تطيق طول حياتها، وبلدها بمنطقة جازان، وهي بلد حار، فهل
يجزئها عن الصوم شيء آخر، وإذا كان لا يجزى عنه شيء فما الحكم؟
ج: نذرك نذر طاعة، وقد جاءت الشريعة بوجوب الوفاء بنذر الطاعة، قال تعالى: (يُوفُونَ
بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) ، وقال عليه الصلاة
والسلام فيما ثبت عنه: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا
يعصه) فعليك الاستمرار في الوفاء بنذرك، وقضاء ما تركت مادمت مستطيعة، ولا يجزئك عن
ذلك شيء .
فإذا وصلت إلى حالة لا تستطيعين الصوم معها : فعليك أن تكفري كفارة يمين، وهي:
إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجدي ذلك فصومي ثلاثة
أيام، والأفضل أن تكون متتابعات، ويكفيك إن شاء الله تعالى؛ لما روى البخاري ومسلم
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني
أن أستفتي لها رسول الله، فاستفتيته فقال صلى الله عليه وسلم : (لتمش ولتركب)،
ولأحمد والأربعة : فقال: ( إن الله تعالى لا يصنع بشقاء أختك شيئا، مرها فلتختمر
ولتركب ولتصم ثلاثة أيام ) . وما روى أبو داود عن ابن عباس موقوفا: (ومن نذر نذرا
لا يطيقه فكفارته كفارة يمين) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلم.
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد
الله بن باز" انتهى.
رابعا:
ينبغي أن تعلم هذا النذر مكروه، وأنه لا يأت بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
، فقد روى البخاري (6608) ، ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : "نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
النَّذْرِ وَقَالَ : ( إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ
مِنْ الْبَخِيل ) ".
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ - في الحديث القدسي- : ( لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ
لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ
، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ ).
ومع كون النذر مكروها في
الأصل، إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ : فإنه يلزمه الوفاء به كما سبق .
والله أعلم.