لا يثبت حديث أن الأرض العليا على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء

27-11-2016

السؤال 252477


قرأت منذ فترة أن السيوطي ـ رحمه الله ـ كان متساهلا في الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، فأرجو أن تبينوا إذا كان هذا الحديث صحيحا أو حسنا - مثل ما قال السيوطي - أو ضعيفا أو موضوعا. الحديث هو: ( إنَّ الأرضينَ سبعٌ، بينَ كلِّ أرضٍ والَّتي تليها مَسيرةُ خمسمائةِ عامٍ، والعُلْيا على ظهرِ حوتٍ، قد التَقَى طرَفاهُ في السَّماءِ، والحوتُ على صخرةٍ، والصَّخرةُ بيدِ الملكِ، والثَّانيةُ سجنُ الرِّيحِ، والثَّالثةُ فيها حجارةُ جهنَّمَ، والرَّابعةُ فيها كِبريتُ جهنَّمَ، والخامسةُ فيها حَيَّاتُ جهنَّمَ، والسَّادسةُ فيها عقاربُ جهنَّمَ، والسَّابعةُ فيها سَقَرٌ، وفيها إبليسُ مُصَفَّدٌ بالحديدِ، يدٌ أمامَهُ، ويدٌ خلفَهُ، فإذا أرادَ اللهُ أن يُطلِقَه لِما يشاءُ أطلَقَه) وهل حتى يرتقي إلي درجة صحيح أو حسن بمجموع طرائقه ؟

الجواب

الحمد لله.


هذا الحديث يروى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْأَرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْعُلْيَا مِنْهَا عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ، قَدِ الْتَقَى طَرَفَاهُ فِي السَّمَاءِ، وَالْحُوتُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ بِيَدِ الْمَلَكِ. وَالثَّانِيَةُ سِجْنُ الرِّيحِ. وَالثَّالِثَةُ فِيهَا حِجَارَةُ جَهَنَّمَ. وَالرَّابِعَةُ فِيهَا كِبْرِيتُ جَهَنَّمَ. وَالْخَامِسَةُ فِيهَا حَيَّاتُ جَهَنَّمَ. وَالسَّادِسَةُ فِيهَا عَقَارِبُ جَهَنَّمَ. وَالسَّابِعَةُ فِيهَا سَقَر، وَفِيهَا إِبْلِيسُ مُصَفّد بالحديد، يد أمامه ويد خلفه، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِقَهُ لِمَا يَشَاءُ أَطْلَقُهُ)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" – كما نقله ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/273)-، وابن منده في "التوحيد" (رقم/59)، والحاكم في "المستدرك" (4/636) جميعهم من طريق عبد الله بن وهب، قال أخبرني عبد الله بن عياش بن عباس، قال حدثنا عبد الله بن سليمان الطويل، عن دراج، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو.
ولكن في إسناد الحاكم: عن دراج، عن أبي الهيثم، عن عيسى بن هلال. إلا أنه علق عليه بما يشعر بإسقاط أبي الهيثم، فقال: "هذا حديث تفرد به أبو السمح، عن عيسى بن هلال".
وهذا حديث منكر شبه موضوع، لما فيه من نكارة المتن، ونكارة الإسناد:
أما المتن فليست الأرض على ظهر حوت، ولا الحوت على صخرة، وليس في السماء التي هي فضاء الأرض شيء من الحيتان ولا الصخور الحاملة، وهذا أمر أصبح مشاهدا عيانا من خلال أجهزة التصوير والأقمار الصناعية، لا يمتري فيه اثنان اليوم والحمد لله، كما أن طبقات الأرض لا يعرف فيها شيء مما ذكر في الرواية.
وأما الإسناد فهو مسلسل بمن لا يُقبل تفردهم، وتُردُّ عليهم غرائبهم:
1. فأولهم عبد الله بن عياش بن عباس: قال أبو حاتم: ليس بالمتين، صدوق، يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة. وقال أبو داود والنسائي: ضعيف. وقال ابن يونس: منكر الحديث. "تهذيب التهذيب" (5/351)
2. وعبد الله بن سليمان الطويل: قال فيه البزار: قد حدث بأحاديث لا يتابع عليها. "البحر الزخار" (13/89)، وترجمته في "تهذيب التهذيب" (5/245) ليس فيها توثيق لأحد من العلماء له. غاية ما هنالك قول ابن حبان فيه: مستقيم الأمر في الحديث إذا روى عن المدنيين والغرباء. "مشاهير علماء الأمصار" (ص301)، وأيضا قول الذهبي: صدوق مقل. "تاريخ الإسلام" (3/678)، وقوله: "احتج به مسلم ... حديثه في عداد الحسن" "سير أعلام النبلاء" (7/334)، ولكنه ليس بالتوثيق الكافي؛ لما علم عن منهج ابن حبان في التساهل في توثيق المجاهيل، ولأن روايته هنا منكرة المتن لا يقصدها ابن حبان إطلاقا، ولأن الذهبي لم يذكر دليله على تحسين حديثه، واحتجاج مسلم ليس مُسَلَّما، فقد قال ابن حجر: حديث مسلم في الشواهد، لا في الأصول. "تهذيب التهذيب" (5/351) .
3. دراج بن سمعان، أبو السمح: تتفق تقريبا كلمة المحدثين على تضعيف حديثه ونكارته، قال أحمد: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: في حديثه ضعف. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال في موضع آخر: متروك. وقال ابن عدي: عامة الأحاديث التي أمليتها مما لا يتابع دراج عليه. ينظر "تهذيب التهذيب" (3/209) .
4. عيسى بن هلال الصدفي، ترجمته في "تهذيب الكمال" (23/53) ليس فيها توثيق ولا تجريح من أحد، فهو من مجاهيل الحال. ولا يكفي إيراد الفسوي له ضمن "ثقات التابعين من أهل مصر"، في كتابه "المعرفة والتاريخ" (2/515)؛ لأن التفرد بهذه المناكير لا يقبل فيها مثل هذا التوثيق المجمل.
وهكذا لا يبقى تقريبا أحد في الإسناد يخلو من قادح مؤثر في الحديث، وليس للحديث طرق ولا شواهد يستعان بها في تقوية أمره، الأمر الذي يعني الحكم عليه بالضعف الشديد.
قال الذهبي رحمه الله:
"منكر" انتهى من "تلخيص المستدرك" (4/636 – مع المستدرك)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"هذا حديث غريب جدا، ورفعُهُ فيه نظر" انتهى من "تفسير القرآن العظيم" (5/274)
وأما الإمام السيوطي فهو موصوف بالتساهل من قبل المحققين من علماء الحديث المتأخرين، مع الاعتراف بعلمه وفضله وجلالته، وسعة اطلاعه ، فإذا حسن حديثا ، وتبين لنا فيه علة قادحة ، لم نقبل تحسينه لهذا الحديث، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم عليه الصلاة والسلام.
يقول المعلمي رحمه الله:
"ومنهم من يحكي عن بعض المتأخرين، كالسبكي، وابن حجر، وابن الهمام، والسيوطي ونحوهم، أنهم صحَّحوا ذلك الحديث أو الأثر أو حسَّنوه، ويكون جهابذة العلم من السلف قد ضعّفوا ذلك الحديث أو حكموا بوضعه، وهم أجلّ وأكمل من المتأخرين، وإن كان بعض المتأخرين أولي علم وفضل وتبحُّر، ولكننا رأيناهم يتساهلون في التصحيح والتحسين، ويراعون فيه بعض أصول الفن، ويغفلون عما يعارضها من الأصول الأخرى، وفوق ذلك أن السلف كانوا أبعد عن الهوى" .
انتهى من "آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني" (2/ 297)
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله:
"السيوطي معروف بتساهله في التصحيح والتضعيف، فالأحاديث التي صححها أو حسنها فيه [يعني الجامع الصغير] قسم كبير منها ردها عليه الشارح المناوي، وهي تبلغ المئات ، إن لم نقل أكثر من ذلك، وكذلك وقع فيه أحاديث كثيرة موضوعة، مع أنه قال في مقدمته: "وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب".
وقد تتبعتها بصورة سريعة، وهي تبلغ الألف تزيد قليلا أو تنقص ... ومن الغريب أن قسما غير قليل فيها ، شهد السيوطي نفسه بوضعها في غير هذا الكتاب، فهذا كله يجعل الثقة به ضعيفة ، نسأل الله العصمة" انتهى من "تمام المنة" (ص29)
والله أعلم.
الأحاديث الضعيفة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب