الحمد لله.
فتأملي حال هذا الكافر، فإنه
ربما قدم حياته في سبيل متعة أو لهو أو مال، وهو مستعد أن يفتدي نفسه من النار يوم
القيامة بكل ما يملك، وما طلب الله منه في الدنيا إلا عبادته وتوحيده، فأبى.
وروى مسلم (5270) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ
الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، ( قَالَ
: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي
سَحَابَةٍ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا
تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ
أَحَدِهِمَا ، قَالَ : فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ أَلَمْ
أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ
وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ : بَلَى،. قَالَ : فَيَقُولُ :
أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لَا ، فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ
كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ ، أَلَمْ
أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ
وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ :
أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لَا ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي
أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ
ذَلِكَ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ
وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ هَاهُنَا
إِذًا ، قَالَ : ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ
وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى
فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ
وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ
الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ).
وقوله: ( أي فل ) معناه يا
فلان . ( أسودك ) : أي أجعلك سيدا على غيرك ( ترأس ) أي تكون رئيس القوم وكبيرهم (
تربع ) أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها .
ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا .
وقوله: ( ليعذر ) من الإعذار، والمعنى: ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه
وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
ولا أحب إلى الله من العذر،
لأنه الغفور الرحيم، ولهذا أرسل الرسل وأنزل الكتب، لئلا يكون لأحد حجة، كما قال
تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء/15 ، وقال: (رُسُلًا
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/165.
وروى البخاري (7416) ، ومسلم (2760) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ
إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ
وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ
وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ).
فدعي عنك هذه الأفكار، واحمدي الله على نعمة الإسلام، وليكن اجتهادك في الثبات على
الدين، والازدياد من الطاعات لتفوزي بأعلى الدرجات.
وفقنا الله وإياك لما يحب يرضى.
والله أعلم.