الحمد لله.
أولا:
إذا شرطت المرأة في نكاحها ما فيه منفعة وفائدة لها، لزم الوفاء بالشرط، وكان لها حق الفسخ عند عدم الوفاء؛ لما روى البخاري (2721) ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ).
قال ابن قدامة رحمه الله" : وجملة ذلك : أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة ، أحدها: ما يلزم الوفاء به ، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته ، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها، فهذا يلزمه الوفاء لها به ، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم ، وبه قال شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وجابر بن زيد ، وطاوس ، والأوزاعي ، وإسحاق. وأبطل هذه الشروط الزهري ، وقتادة وهشام بن عروة ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي".
ثم قال رحمه الله: " إذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف لها به فلها الفسخ، ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط: إذاً يطلقننا ! فلم يلتفت عمر إلى ذلك وقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به، كالرهن والضمين في البيع " انتهى من المغني (9/ 483).
والذي يظهر أن الزوج إذا لم يتمكن من تنفيذ الشرط لأمر خارج عنه، فهو معذور، ولا يكون للزوجة حق الفسخ .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ـ :
عن رجل شرط على امرأته بالشهود أن لا يسكنها في منزل أبيه ، فكانت مدة السكنى منفردة وهو عاجز عن ذلك: فهل يجب عليه ذلك؟ وهل لها أن تفسخ النكاح إذا أراد إبطال الشرط؟
فأجاب:
" لا يجب عليه ما هو عاجز عنه ؛ لا سيما إذا شرطت الرضا بذلك .
بل إذا كان قادرا على مسكن آخر : لم يكن لها عند كثير من أهل العلم - كمالك وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما - غير ما شرط لها ، فكيف إذا كان عاجزا ؟
وليس لها أن تفسخ النكاح عند هؤلاء ، وإن كان قادرا.
فأما إذا كان ذلك السكن يصلح لسكنى الفقير ، وهو عاجز عن غيره : فليس لها أن تفسخ ، بلا نزاع بين الفقهاء..." انتهى ، من مجموع الفتاوى" (32/168) .
لكن إذا تضررت ببعدها عن ابنتها، ولم يمكن معالجة ذلك بزيارة البنت على فترات : جاز لها طلب الطلاق.
غير أننا لا ننصحها بذلك ، ولا ننصح الزوج أن يجيبها إلى الطلاق ، ولا أن يلجئها إلى الفسخ لفوات الشرط ، إن كان ذلك ممكنا لها ، أو طلب الخلع منه ؛ لا ننصح الزوجين بذلك ، إذا أمكن لهما أن يتفقا على صيغة من العيش ، تضمن استمرار الزوجية بينهما ، مراعاة للحمل الذي حصل ، ودفعا للضر والشتات عنه ، بل إذا أمكن معالجة قدر من ذلك الضرر على الطرفين ، بزيارات متبادلة ، أو نحو ذلك : فهو أمر حسن ، ينغي أن يفكرا فيه ، ولا يلجآ إلى الانفصال ، إلا حال تعذر العشرة بينهما ؛ فالكي آخر الدواء .
ثانيا:
إذا حصل الطلاق والزوجة حامل، فلها النفقة والسكنى مدة حملها، ولها المهر المسمى لها، فإن لم يتفقا إلا على مهر مؤخر، فهذا هو مهرها.
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة الأمر ، أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا ، فإما أن يكون ثلاثا ، أو بخلع ، أو بانت بفسخ ، وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى ، بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : ( لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ) ولأن الحمل ولده ، فيلزمه الإنفاق عليه ، ولا يمكنه النفقة عليه ، إلا بالإنفاق عليها ، فوجب ، كما وجبت أجرة الرضاع " انتهى من "المغني" (8/185).
ويلزم الزوج الإنفاق على ولده بعد وضعه. ويدخل في النفقة : تكاليف الولادة ، والمسكن ، والمأكل والمشرب ، والكسوة ، وأجرة الرضاع ، وما يحتاجه الولد من دواء وغيره .
وانظر: جواب السؤال رقم (146851) .
وأما الابنة من الزوج الأول، فنفقتها على أبيها إن وجد، وإلا فعلى من تلزمه نفقتها من أقاربها. ولا يلزم هذا الزوج شيء تجاهها، فإنه إنما التزم نفقتها في حال عيشها معه، ولم يمكن ذلك.
والله أعلم.