الحمد لله.
أولا:
الأصل أن من استأجر محلاً كان له أن يبيع فيه ما شاء من المباحات إذا كان في جملة النشاط الذي وُضع له المحل، أو دونه في الضرر، فمن استأجر محلا لبيع الذهب، لم يكن له أن يبيع فيه الحديد أو الخشب؛ لأنه يضر المحل أكثر.
ففي المدونة (3/ 538) : " قَالَ [مالك] فِي الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْبَعِيرَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحِمْلَ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الْبَزِّ أَوْ الْكَتَّانِ فَيُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُمُولَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ حَمَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ هُوَ أَضَرَّ مِنْ الَّذِي اكْتَرَى الْبَعِيرَ لَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ وَزْنِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ" انتهى.
لكن إن شرط المؤجر على المستأجر ألا يبيع سلعا معينة، فتعاقدا على ذلك، فالذي يظهر صحة الشرط ولزوم الوفاء به إن كان للمؤجر غرض صحيح في هذا الشرط؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة / 1، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى البيهقي (14826) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وصححه الألباني في " الإرواء" (6/ 303).
وقال البخاري في صحيحه :
" بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الِاشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الإِقْرَارِ، وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ ..
قَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهُوَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا، وَقَالَ: إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ، فَلَمْ يَجِئْ ؟
فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ فَقَضَى عَلَيْهِ انتهى .
والأصل في الشروط التي لا تخالف الشرع أنها شروط صحيحة يجب الوفاء بها ، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة.
قال البعلي في الاختيارات : " فإن شرط المؤجر على المستأجر أن لا يستوفي المنفعة إلا بنفسه أو أن لا يؤجرها إلا لعدل أو لا يؤجرها من زيد .
قال أبو العباس [ابن تيمية] : فقياس المذهب فيما أراه أنها شروط صحيحة , لكن لو تعذر على المستأجر الاستيفاء بنفسه لمرض أو تلف مال أو إرادة سفر ونحو ذلك , فينبغي أن يثبت له الفسخ كما لو تعذر تسليم المنفعة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/408).
وإن لم يكن للمؤجر غرض صحيح فيما شرط، فلا يلزم الوفاء به .
وقد عرضت هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى فأفاد :
" إن كان له غرض صحيح في هذا الشرط : فيجب الالتزام به ، وإن كان مجرد تَحَكُّم : فلا يلزم" انتهى.
ثانيا:
حيث قلنا بلزوم هذا الشرط، فإنك تأثم بمخالفته، لكن يصح بيعك لهذه السلع، ولا يلزمك شيء في المال المكتسب منها، لكن تلزمك التوبة، والوفاء بالشرط بترك بيع هذه السلع.
والله أعلم.