الحمد لله.
قد أحسنت فيما ذكرت من مساعدتك لزوجك، وإحسانك إليه، وصبرك على حاله، فجزاك الله خيرا.
وإنا لنعجب من تصرفه معك، ومقابلة الإحسان بالجحود والنكران، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيرا ، وأن يهدي زوجك ، ويوفقه لحسن معاشرتك .
وما دفعت من مال في شراء الشقة يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون على سبيل القرض لزوجك أو المشاركة له في تملك الشقة، فلك المطالبة بذلك، ويحرم عليه جحد حقك أو مماطلتك فيه.
والثاني: أن يكون على سبيل الهبة والتبرع والمساعدة، دون اتفاق على رده أو كونك شريكة في التملك، فهذا له حكم الهبة.
والأصل في الهبة تحريم الرجوع، إلا في هبة الوالد لولده؛ لما روى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
واستثنى الحنابلة الهبة التي يراد بها العِوَض [ أي : يأخذ المهدِي مقابلا على هديته] ، كمن وهبت لزوجها شيئا –بسؤاله- ، فإنه يحل لها الرجوع في الهبة لأنها لم تهب له إلا مخافة غضبه أو أن يطلقها أو يتزوج عليها.
ويدل لذلك ما روى مالك في الموطأ (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ [أي : المقابل على هديته] فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".
قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 55).
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " ( ولا ) يصح ( رجوع واهب ) في هبته ( بعد قبض ) ، ولو نقوطا ، أو حَمولة في نحو عرس ، كما في الإقناع ، للزومها به [ أي : بالقبض ] ، ( ويحرم ) الرجوع بعده . لحديث ابن عباس مرفوعا العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه متفق عليه .
وسواء عوض عنها أو لم يعوض , لأن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا ، ( إلا من وهبت زوجها ) شيئا ( بمسألته ) إياها ( ثم ضرها بطلاق أو غيره ) ، كتزويج عليها.
نقل أبو طالب : إذا وهبت له مهرها : فإن كان سألها ذلك : رده إليها ، رضيت أو كرهت . لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه ، أو إضراره ، بأن يتزوج عليها . وإن لم يكن سألها وتبرعت به فهو جائز , وغير الصداق: كالصداق" انتهى من شرح منتهى الإرادات (2/ 437).
وقال المالكية: لو وهبت لزوجها بقصد دوام العشرة ، فسارع إلى طلاقها : فلها الرجوع في الهبة.
قال الدردير رحمه الله: " ( إلا أن تهبه ) شيئا من صداقها ، قبل البناء أو بعده ، ( على ) قصد ( دوام العشرة ) معها ، فطلقها ، أو فسخ النكاح لفساده ، قبل حصول مقصودها : فلا يكون الموهوب كالعدم ، بل يرده لها . ( كعطيته ) : مصدر مضاف لمفعوله ؛ أي أن الزوجة إذا أعطت زوجها مالا ، غير الصداق ( لذلك ) ، أي لدوام العشرة ، ( ففُسِخ ) النكاحُ ، لفساده ، جبرا عليه ؛ فترجع بما أعطته له . وأحرى لو طلق اختيارا .
هذا إذا فارق بالقرب , وأما بالبعد ، بحيث يُرى أنه حصل غرضها : فلا ترجع .
وفيما بين ذلك ترجع بقدره" انتهى من الشرح الكبير (2/ 324).
وظاهر اختيار شيخ الإسلام ، قريب من قول المالكية ، لكنه أطلق ، ولم يفصل بين ما لو طلقها من قرب ، أو من بعد .
وهو رواية عن الإمام أحمد ، ذكرها في "الإنصاف" (17/84) : أنها ترجع فيما وهبته له مطلقا ، ولو لم يسألها أن تهبه ، لما سبق من التعليل : أنَّها لا تهَبُ له إلَّا مَخافَةَ غَضَبِه أو إضْرارِه بها، بأنْ يتَزَوجَ عليها ؛ فإذا فات غرضها من الهبة ؛ جاز لها أن ترجع فيها .
ولمزيد الفائدة ينظر السؤال رقم (237382) .
والحاصل :
أن للزوجة الحق في مطالبة زوجها بما اتفقا عليه ، من حصتها في البيت .
ولها أن ترجع فيها وهبته له بطلبه ، أو فيما وهبته بقصد إقامة العشرة بينهما بالمعروف ، إذا فاتها ذلك منه ، على ما سبق تفصيله .
والنصيحة لك : أن تحرصي أولا على ما يجلب المودة بينك وبين زوجك، ويزيل الشقاق، ثم حثه على وفائه بوعده بشأن المنزل.
فإن كان لك حق –حسب التفصيل السابق- وأبى دفعه لك، فوازني بين الأمور الآتية واختاري أقربها لمصلحتك: العفو والمسامحة، أو الصبر، أو مقاضاته لتصلي إلى حقك.
ونسأل الله أن ييسر أمرك ويلهمك رشدك.
والله أعلم.