عقيدة أبي الحسن الاشعري وأبي منصور الماتريدي في مسألة العلو

06-03-2018

السؤال 261760

ماذا كانت عقيدة الإمام الأشعري والإمام الماتريدي بشأن إعتقاد أن الله فوق العرش ، وهل اعتقدوا أن الله في كل مكان مثل ابن عربي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، وعرشه فوق سبع سماواته ، وهذا ما دل عليه القرآن والسنة وأجمع عليه سلف الأمة .

وانظر: جواب السؤال رقم : (992) ، ورقم : (11035) .

ويقابل هذا قولان:

1-قول من يقول: إن الله في كل مكان، وهذا قول الجهمية، وبه أخذ أصحاب الحلول، وهو كفر عظيم؛ لأنه يعني أن الله في نفوس الإنس والشياطين وفي الأماكن القذرة.

2-وقول من يقول: إنه ليس داخل العالم ولا خارجه، وهذا ما عليه الأشاعرة والماتريدية، وهو قول خلاف العقل والشرع؛ لأنه رفع للنقيضين، فما من موجود حقيقي إلا كان داخل العالم أو خارجه .

وهذا القول أيضا : خلاف النصوص ، وما أجمع عليه السلف، ولا دليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع، بل ولا هو قول معروف عن إمام من أئمة السلف.

قال الذهبي رحمه الله: "وَالله فَوق عَرْشه كَمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّدْر الأول ، وَنَقله عَنْهُم الْأَئِمَّة، وَقَالُوا ذَلِك رادين على الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَنَّهُ فِي كل مَكَان محتجين بقوله: وَهُوَ مَعكُمْ.

فهذان الْقَوْلَانِ هما اللَّذَان كَانَا فِي زمن التَّابِعين وتابعيهم، وهما قَولَانِ معقولان فِي الْجُمْلَة.

فَأَما القَوْل الثَّالِث الْمُتَوَلد أخيرا ، من أَنه تَعَالَى لَيْسَ فِي الْأَمْكِنَة ، وَلَا خَارِجا عَنْهَا ، وَلَا فَوق عَرْشه ، وَلَا هُوَ مُتَّصِل بالخلق وَلَا بمنفصل عَنْهُم ، وَلَا ذَاته المقدسة متحيزة وَلَا بَائِنَة عَن مخلوقاته ، وَلَا فِي الْجِهَات وَلَا خَارِجا عَن الْجِهَات ، وَلَا ، وَلَا = فَهَذَا شَيْء لَا يُعقل ، وَلَا يُفهم ، مَعَ مَا فِيهِ من مُخَالفَة الْآيَات وَالْأَخْبَار" انتهى من "العلو للعلي الغفار" ص268

ثانيا:

أما الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله، فإنه مثبت للعلو، قائل بقول أهل السنة فيه.

قال رحمه الله في كتابه "الإبانة"، ص108: " وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) أنه استولى وملك وقهر، وأن الله تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه، كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.

ولو كان هذا كما ذكروه ، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله تعالى قادر على كل شيء ، والأرض لله سبحانه قادر عليها، وعلى الحشوش، وعلى كل ما في العالم !!

فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء، وهو تعالى مستول على الأشياء كلها ، لكان مستويا على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش، والأقذار، والأفراد ؛ لأنه قادر على الأشياء ، مستول عليها !!

وإذا كان قادرا على الأشياء كلها ، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله تعالى مستو على الحشوش والأخلية، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش ، الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش ، دون الأشياء كلها.

وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله تعالى في كل مكان، فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية، وهذا خلاف الدين. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا".

وينظر أيضا " ط العصيمي (412-413) .

وقال في ص112: " قال الله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم) من الآية (50 /16) ، وقال تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) من الآية (4 /70) ، وقال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) من الآية (11 /41) ، وقال تعالى: (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) من الآية (59 /25) ، وقال تعالى: (ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع) (4 /32) .

فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته، مستو على عرشه ، استواء منزها عن الحلول والاتحاد" انتهى.

وانظر فيما يتعلق بعقيدته وبصحة نسبة كتاب "الإبانة" إليه: جواب السؤال رقم  :(154936) .

ثالثا:

وأما أبو منصور الماتريدي فإنه لا يثبت العلو، ويفوض معنى الاستواء، ولكنه لا يقول إن الله في كل مكان، بل ينفي العلو وينفي الكون في المكان.

ومن كلامه في ذلك قوله: "وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ).

الفوق، والتحت، والأسفل، ونحوه في الأمكنة والمجلس : ليس فيه فضل عز وشرف ومرتبة؛ لما يجوز أن يكون الذي كان فوق هذا ، في المكان والمجلس ، تحته وأسفل منه؛ فلا يزداد لهذا بما صار فوقه عز وشرف ومرتبة، ولا لهذا بما كان تحته ذل، وهوان؛ لأنه لا يفهم من فوقه: فوق المكان ولا تحته؛ لأن من صعد الجبال والأمكنة المرتفعة لا يوصف بالعلو والعظمة، وإذا قيل: فلان أمير على العراق أو على خراسان : كان في ذلك تعظيم؛ لأنه ذكر بالقدرة والسلطان ، ونفاذ أمره ومشيئته وقدرته وسلطانه فيهم، أو اطلاعه على جميع ما يسرون ويضمرون، ويعلنون، ويظهرون، وعلمه على جميع أفعالهم .

على هذا يجوز أن يتأول الفوق، واللَّه أعلم" انتهى من "تفسير الماتريدي" (6/ 514).

وقال في (10/ 117) : "ثم قوله: (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أراد نفسه تعالى، أخبر أنه إله السماء، لا على تثبيت أن في الأرض سواه ، وعلى النفي أن يكون هو إله الأرض، بل هو في السماء إله ، وفي الأرض إله؛ وهو كقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) ، ليس فيه أن النجوى إذا كانت بين اثنين فهو لا يكون ثالثهم.

وجائز أن يكون قوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: أأمنتم من في السماء ملكه وسلطانه، ولم تروا أحدا انتهى ملكه إلى السماء، فكيف تأمنون ممن بلغ ملكه السماء؛ فكيف تأمنون مكره وتعادونه، وأنتم لا تجترئون على معاداة ملك من ملوك الأرض، الذي لا يجاوز ملكه الأرض" انتهى.

وقال: "الأصل فيه أن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جل عن التغير والزوال والاستحالة والبطلان" .

انتهى من "كتاب التوحيد" له، ص69

وينظر: ص74 ففيه تفويضه لمعنى الاستواء ، وأنه لا يقطع في تأويله على شيء.

رابعا:

ينبغي أن يعلم أن القول بأن الله في كل مكان كفر بيّن، ولا يخالف في هذا الأشاعرة ولا الماتريدية.

وانظر في التعريف بابن عربي وعقيدته الفاسدة: جواب السؤال رقم : (7691) .

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب