الحمد لله.
الأثر الذي ذكره السائل الكريم أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/288) من طريق محمد بن فضيل عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال :" يُؤْتَى بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِالْغَنِيِّ ، وَبِالْمَرِيضِ ، وَالْعَبْدِ ...." . إلى آخر الأثر كما ذكره السائل
وهذا الأثر ضعيف الإسناد عن مجاهد بن جبر رحمه الله ، حيث فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف باتفاق ، قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (2/75) بعد أن ذكر ليث بن أبي سليم قال :" واتفق العلماء على ضعفه ، واضطراب حديثه ، واختلال ضبطه ". انتهى .
ولو صح عنه فإنه لا حجة فيه لما يلي :
أولا : أن هذا الأثر من قول مجاهد رحمه الله يسميه أهل العلم " المقطوع " ، وهو ما جاء التابعي من قوله أو فعله .
قال ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" الشهير بمقدمة ابن الصلاح (ص28) :" المقطوع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم أو أفعالهم ". انتهى .
ولا شك أن أقوال التابعين ليست بحجة في دين الله عز وجل .
ثانيا : أنه إذا سلمنا أن ذلك الأثر ونحوه : لا يقال بالرأي ، وليس للاجتهاد فيه مجال ، وقلنا : إن مثل ذلك له حكم الرفع ؛ فغايته : أن يكون حديثا مرفوعا ، مرسلا ؛ لأن التابعي إذا روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، صراحة ، ولم يذكر من حدثه به من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كان حديثا مرسلا ؛ ومعلوم : أن المرسل من أقسام الحديث الضعيف .
فكيف إذا لم يذكر التابعي أنه تلقى ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا وراه عنه أصلا ؟!
هذا أظهر في ضعفه ، وأبعد عن قيام الحجة به في دين الله .
وينظر: "النكت على ابن الصلاح" للزركشي (2/439) ، "نتائج الأفكار" للحافظ ابن حجر (1/383) .
ثالثا : أن مجاهد بن جبر رحمه الله كان يأخذ عن أهل الكتاب ، ومعلوم أن من يقول في ذلك ونحوه : إن له حكم الرفع ، يشترط في الحكم برفعه : ألا يكون قائله ممن يأخذ عن أهل الكتاب ؛ فإن كان ممن يأخذ العلم عن أهل الكتاب ، لم يحكم لما يقوله في أمور الغيب ونحوها بالرفع ، لاحتمال أن يكون ذلك مما تلقاه عن أهل الكتاب ، فلا تقوم به الحجة .
وقد روى ابن سعد في "الطبقات" (5/466) فقال :" أخبرنا أبو بكر بن عياش قال: قلت للأعمش : ما لهم يتقون تفسير مجاهد :
قال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب ". انتهى .
وختاما :
نهيب بإخواننا جميعا خاصة الدعاة إلى الله تعالى الاحتياط في نسبة شيء لدين الله عز وجل خاصة أمور الغيب ، فإنها لا مجال فيها للرأي والاجتهاد ، وفيما صح كفاية ، ولله الحمد .
والله أعلم