الحمد لله.
أولا :
قال تعالي : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/34
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ( تفسيره ) : " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ : كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ؛ أَيْ: عَنْهُ " . انتهى .
وفي سنن الترمذي (1959) ، وغيره ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ . حسنه الألباني .
وعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: " إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ " . انتهى، من "الصمت" لابن أبي الدنيا (404) .
قال البغوي رحمه الله :
" وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تصْحَب الْفَاجِر، فيحملك عَلَى الْفُجُور، وَلَا تفش إِلَيْهِ سرك، وشاور فِي أَمرك الّذين يَخْشونَ اللَّه.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: قُولُوا خيرا تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِن أَهله، وَلَا تَكُونُوا عجلاء مذاييع بذرا.
المذاييع وَالْبذْر وَاحِد: هُم الّذين يفشون لما يسمعُونَ مِن السِّرّ، يقَالَ: أذاع السِّرّ، إِذا أفشاه، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: أَذَاعُوا بِهِ [النِّسَاء: 83] .
وَالْبذْر مِن قَوْلهم: بذرت الْكَلَام بَين النّاس كَمَا يبذر الْحُبُوب، وَاحِدهَا بذور...
وَقَالَ مَكْحُول: إِذا حَدثَك الرجل بِحَدِيث، ثُمَّ الْتفت هَل يسمعهُ أحد، فقد لزمك كِتْمَانه." انتهى، من " شرح السنة" (13/191-192) .
ولا فرق في أمانة الحديث والمجالس ، ووجوب الوفاء بالعهد ، وحفظ السر = لا فرق في ذلك كله بين أن يكون صاحب الأمانة والسر : مؤمنا أو كافرا ، برا أو فاجرا ، فالأمر بالوفاء بالعهد والميثاق ، وحفظ الأمانات وأدائها إلى أهلها : عام في ذلك كله ، وهو حق لكل أحد ، على كل أحد ؛ ألا يخون ، ولا يغدر ، ولا يفشي سره ، ولا يهتك ستره .
فإذا كان صاحب الأمانة والسر من الأرحام : فحقه أوكد .
فكيف إذا كان صاحب السر : هو أمك أنت ؟!
لا شك أن حقها عليك ، وحق الأمانة ، وحق الوفاء ... = يوجب عليك أن تحفظي سر أمك ، وما استأمنتك عليه .
ثانيا :
للتخلص من هذه الأفكار الملحة بشأن فقدان أخيكِ أو أختكِ : فاعلمي أرشدنا الله وإياكِ أن هذا له مسلكان ، مسلك شرعي ، ومسلك نفسي .
فأما المسلك الشرعي : فبعلمك أن قدر الله نافذ لا محالة ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا ، وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، فهذا أعظم ما يدفع عن المرء الأسى تسخطا على ما فات ، أو الفرح تفاخرا بما هو آت . قال تعالي : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22-23
فال الإمام الجلال المحلي في ( تفسير الجلالين ) :
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض بِالْجَدْبِ وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ كَالْمَرَضِ وَفَقْد الْوَلَد إلَّا فِي كِتَاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأهَا نَخْلُقهَا ، وَيُقَال فِي النِّعْمَة كَذَلِكَ إن ذلك على الله يسير .
لِكَيْلَا أَيْ أَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ لِئَلَّا تَأْسَوْا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا فَرَح بَطَر ، بَلْ فَرَح شُكْر عَلَى النِّعْمَة بِمَا آتَاكُمْ أَعْطَاكُمْ وَاَللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال مُتَكَبِّر بِمَا أُوتِيَ فَخُور بِهِ على الناس " .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ ) .
رواه البخاري 6603 ومسلم 1438
فما من نسمة كتب الله أنها كائنة إلا كانت ، وما من نسمة كتب الله أنها غائبة إلا غابت .
وأما المسلك النفسي : فننصح باللجوء إليه في حالة استمرار هذه الفكرة في الإلحاح عليكِ ، مع ظهور أعراض للتوتر والقلق معها ، والتفكير المتواصل بشأنها ، فهاهنا ننصح باستشارة أخصائية نفسية لمعرفة ملابسات هذه الفكرة بشكل أعمق ، وإيجاد الحلول العملية للتخلص من آثارها السلبية عليكِ .
نسأل الله أن يصرف عنا وعنكم كل سوء .
والله أعلم .