الحمد لله.
التعليم الجامعي أصبح ضرورة لنيل الشهادة التي تتيح العمل في الوظائف الدينية وغيرها، ولهذا فإنه يجب على الأب إعانة ولده على ذلك، وتلزمه نفقة الدراسة إن لم يكن للولد مال .
فقد نص الفقهاء على وجوب تعليم الابن حرفة يتكسب منها، وهذه الشهادة تقوم مقام ذلك، أو هي وسيلة لذلك ؛ بل هي أولى من ذلك بالوجوب ؛ فإن فائدتها الآن : ليست قاصرة على تحصيل فرص العمل فقط ، كما لا يخفى .
قال الرملي الشافعي رحمه الله : " يسلمه ، وجوبا ، لتعليم حرفة، على ما يليق بحال الولد. وظاهر كلام الماوردي أنه ليس لأب شريف، تعليمُ ولده صنعةً تُزْرِيه ؛ لأن عليه رعاية حظه ، ولا يكله إلى أمه، لعجز النساء عن مثل ذلك ، وأجرة ذلك في مال الولد إن وجد ، وإلا فعلى من عليه نفقته " انتهى من " نهاية المحتاج " (7/233) .
وما ذكرت من حاجة والدك لمن ينوب عنه في الإمامة، لا نرى أن يقعدك عن إكمال تعليمك، فإن الوالد يمكنه الصلاة، وقراءة ما تيسر دون أن يجهد نفسه، وأما تفويتك للدراسة ، فإنه يترتب عليه مفسدة ظاهرة ، وضرر عليك يصعب تداركه فيما بعد . وقد سبق أن بينا في أجوبة عديدة أن من شروط وجوب طاعة الوالدين : ألّا يكون في الطاعة ضرر على الولد ؛ لأن الضرر تسقط به الفرائض والواجبات .
وينظر جواب السؤال رقم (214117) .
وفي الإيام التي تكون فيها فارغا من الدراسة ، أو في وقت سعتك : ينبغي عليك أن تحرص على أن تنوب مكان والدك ، وتعينه على أمر عمله ، وإمامته ؛ ففي هذا خير عظيم ، إن شاء الله .
ولو أن الوالد منع ولده من الدراسة، أو السفر المأمون لها، لم يلزمه طاعته، إلا أن يكون الوالد بحاجة ماسة إلى خدمة ولده ولم يوجد غيره لذلك.
قال ابن حجر الهيتمي: "إذا ثبت رشد الولد، الذي هو صلاح الدين والمال معا: لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه، دينا أو دنيا" انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 129).
وقال السرخسي رحمه الله في "شرح السير الكبير" (1/197) :
" وكل سفر أراد الرجل أن يسافر، غير الجهاد، لتجارة أو حج أو عمرة، فكره ذلك أبواه ، وهو لا يخاف عليهما الضيعة: فلا بأس بأن يخرج ; لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة ، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة ، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا .
إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه ، نحو ركوب البحر ، فحينئذ، حكم هذا، وحكم الخروج إلى الجهاد: سواء ; لأن خطر الهلاك فيه: أظهر .
والسفر على قصد التعلم، إذا كان الطريق آمنا، والأمن في الموضع الذي قصده ظاهرا: لا يكون دون السفر للتجارة ، بل هذا فوقه، لقوله تعالى : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)؛ فلا بأس بأن يخرج إليه، وإن كره الوالدان ، إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما " انتهى .
فاستعن بالله تعالى، وابدأ الدراسة، وأحسن إلى والدك، وأرضه، وأعنه قدر استطاعتك، وانو الخير في هذه الدراسة، من تعلم العلم، والتفرغ له، وتحصيل الوسيلة التي تتمكن بها من العمل والدعوة إلى الله، وبر الوالدين والإنفاق عليهما مستقبلا.
والله أعلم.