حكم الاختلاط الذي تضطر إليه الطالبة في الجامعة

29-01-2018

السؤال 265423

أنا فتاة أدرس في الطب البشري ، والمواد لدينا في الجامعة على شكل محاضرات يكتبها مجموعة من الطلاب ويبيعونها في المكتبة ، ولكن هذه المحاضرات عالية التكلفة بالنسبة لي ، ووالدي ليس لديه القدرة على شراء هذه المحاضرات لي ، وإذا أردت أن أدرس من الجوال أتعذب ، ولا أستفيد مثل الورق ، ووالدي يطلب مني أن أنضم إلى فريق كتابة المحاضرات ، لذلك قررت أن أنضم إلى الفريق الذي يكتب هذه المحاضرات ويوزعها ، علمًا بأن هذا الفريق يوزع المحاضرات على الأعضاء مجانًا، ولكن المشكلة أن هذا الفريق مختلط (شباب وبنات) ، ويمكن أن يصبح مع الوقت أن أتكلم معهم للحاجة فقط ، فهل قراري صحيح ؟ أم ماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن الدراسة الجامعية والشهادات العلمية أصبحت حاجة ملحة للفرد، فغيابها يوقع الشخص في مشقة وحرج.

والشرع جاء برفع الحرج والمشقة.

قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78 .

ولهذا ذكر أهل العلم أن ما حرم ، سدا للذريعة ؛ فإن الحاجة الشرعية المعتبرة : تبيحه ، رفعا للحرج عن الأمة .

فللمسلم أن يدفع الحرج عن نفسه ، ولو ارتكب بعض أشياء كالاختلاط أو الكلام مع الجنس الآخر ، والتي لولا الحاجة ، ودفع الحرج : لما أجيز له فعلها .

قال الشاطبي رحمه الله تعالى:

" القواعد المشروعة بالأصل ، إذا داخلتها المناكر؛ كالبيع، والشراء، والمخالطة والمساكنة إذا كثر الفساد في الأرض واشتهرت المناكر، بحيث صار المكلف عند أخذه في حاجاته ، وتصرفه في أحواله لا يسلم في الغالب من لقاء المنكر أو ملابسته :

فالظاهر : يقتضي الكف عن كل ما يؤديه إلى هذا .

ولكن الحق يقتضي : أن لا بد له من اقتضاء حاجاته، كانت مطلوبة بالجزء أو بالكل، وهى إما مطلوب بالأصل، وإما خادم للمطلوب بالأصل .

لأنه إن فرض الكف عن ذلك : أدى إلى التضييق ، والحرج، أو تكليف ما لا يطاق، وذلك مرفوع عن هذه الأمة؛ فلا بد للإنسان من ذلك .

لكن : مع الكف عما يستطاع الكف عنه، وما سواه؛ فمعفو عنه ، لأنه بحكم التبعية ، لا بحكم الأصل " انتهى، من "الموافقات" (3 / 526 - 527).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة : فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها ؛ إذا لم يعارضها مصلحة راجحة.

ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما، إلا إذا كان لحاجة راجحة " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (15 / 419).

لكن يجب أن تقيّد ملابسة هذه التصرفات التي تؤدي إلى الفتنة بما قيدها الشاطبي في آخر كلامه، وهو عدم تجاوز الحاجة، ويكف المحتاج إليها ، عمّا يستطيع الكف عنه ، ويعبّر أهل العلم عن هذا بقولهم؛ بأن ما أبيح للحاجة قدّر بقدر الحاجة.

فالحاصل؛ أنه يجوز لك أن تنضمي لفريق كتابة المحاضرات نظرا لحالك .

لكن يجب أن تجتنبي مخالطة الشباب ، قدر استطاعتك ؛ فإذا كان في المجموعة بعض الفتيات : فإنك تجعلين كلامك مع هؤلاء بقدر الإمكان ، ولا تحادثي الشباب إلا عند الحاجة الملحة .

ويكون الكلام بالمعروف من غير إمالة للكلام عن طبيعته ، ولا تليينه وتلطيفه بما هو خلاف العادة.

قال الله تعالى : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب (32) .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :

" فقال: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون ؛ فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع ( الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح ....

فهذا دليل على أن الوسائل، لها أحكام المقاصد.

فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال : أن لا تلِينَ لهم القول.

ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما تُوُهِّم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) أي: غير غليظ، ولا جاف، كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع " انتهى، من "تفسير السعدي" (ص 663 - 664) .

ولا يحل لك أن تكوني في خلوة ، مع أحد من أعضاء المجموعة ، أو الرجال بصفة عامة ؛ لما في ذلك من عظيم الخطر على المرأة .

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري (5233) ومسلم (1341).

مع المحافظة على الحجاب الشرعي، وقد سبق في الموقع بيان صفته (6991).

ثم في كل هذا اجعلي الله رقيبا عليك ؛ فمتى خشيت الفتنة على نفسك ، أو خفت بوادر الفساد من غيرك : فاخرجي من هذه المجموعة، واستعيني بالله أن ييسر لك أمرك ، ويجعل لك فرجا ومخرجا .

وللفائدة طالعي الفتوى رقم (127946).

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب