الحمد لله.
الاجابة :أولا :
الحديث المذكور ( أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عن النساء ) : ذكره ابن القيم في "الداء والدواء" (1/483) فقال :" حتى إنّ كثيرًا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء. وهذا لا يُذَمّ إذا صادف حِلًّا بل يحمد ، كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصفَّار ، عن ثابت عن أنس، عن النبي- صلى الله عليه وسلم - :" حُبب إليّ من دنياكم النساء والطيب ، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن". انتهى .
وهذا اللفظ لا أصل له إطلاقا ، وإنما ذكره ابن القيم هنا بالمعنى ، وقد وضحه في "روضة المحبين" (ص204) فقال :" وقال عبدالله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه حدثنا أبو معمر حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ":" جعلت قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب، الجائع يشبع، والظمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء وأصله في صحيح مسلم بدون هذه الزيادة ". انتهى .
فتبين بذلك أن اللفظ الوارد في السؤال ليس لفظ الحديث وإنما هذا معناه ، ثم الحديث لم يروه أحمد وإنما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" ، والحديث غير موجود في النسخة المطبوعة من كتاب الزهد للإمام أحمد ، ولذا قال المناوي في "فيض القدير" (3/370) :" وزعم الزركشي أن للحديث تتمة في كتاب الزهد لأحمد هي :" أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن " ، وتعقبه المؤلف – يقصد السيوطي - بأنه مر عليه مرارا فلم يجده فيه ، لكن في زوائده لابنه عبد الله بن أحمد عن أنس مرفوعا :" قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب. الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من النساء فلعله أراد هذا الطريق ". انتهى . وينظر : "الداء والدواء" ، تعليق المحقق (483) .
والحديث أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3/135) في ترجمة يُوسُف بن عَطِيَّة الصفار السَّعْدِيّ فقال :" كنيته أَبُو سهل ، من أهل الْبَصْرَة ، يروي عَن قَتَادَة وثابت ، رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَأهل الْعرَاق ، كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد ، وَيلْزق الْمُتُون الْمَوْضُوعَة بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة وَيحدث بهَا ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال ..
ثم قال : وَرَوَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ وَحَبَّبَ إِلَيَّ الطِّيبَ كَمَا حَبَّبَ إِلَى الْجَائِعِ الطَّعَامَ وَإِلَى الظَّمْآنِ الْمَاءَ، وَالْجَائِعُ يَشْبَعُ وَالظَّمْآنُ يُرْوَى وَأَنَا لَا أَشْبَعُ مِنَ الصَّلاةِ . وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ يَكُونُ فِي الصَّلاةِ أَوْ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَاهُ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس ". انتهى.
وقد تبين أن لفظ الحديث مختلف فيه ؛ ففي رواية البزار :" وأنا لا أشبع من الصلاة " ، وفي رواية عبد الله بن أحمد كما نقلها ابن القيم :" وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء ".
وعلى كل : فالحديث موضوع مكذوب .
وعِلَّته : يوسف بن عطية الصفار ، قال فيه البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني : ضعيف الحديث ، وقال أبو داود: ليس بشيء ، وقال النسائي والدولابي : متروك الحديث ، زاد النسائي : وليس بثقة ، وقال بن عدي : وله غير ما ذكرت ، وكلها غير محفوظة ، وعامة حديثه مما لا يتابع عليه ، وقال بن حبان يقلب الأخبار ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة لا يجوز الاحتجاج به . انظر "تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/419) .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/469) في ترجمته وساق له عدة أحاديث ثم قال في أحدها :" والحديث يتهم بوضعه يوسف ". انتهى
واللفظ الصحيح للحديث : هو ما رواه أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ". أخرجه أحمد في المسند (1437) والنسائي في سننه (3939) ، وصححه ابن حجر في "الفتح" (3/15) .
والله أعلم .